صنعاء نيوز بقلم/ سامي شرف الاهدل – باحث اكاديمي - - كنت قد نشرت مسبقاً "دراسة تحليلية للمشهد الراهن في المسرح السياسي العربي" وتكلمتُ فيها عن الدور الأمريكي في المنطقة العربية وعن خطة البدء في تطبيق "مشروع الشرق الأوسط الجديد"(1), ونظراً للدور السلبي الذي يلعبه الإعلام حالياً, ارتأيت إعادة نشر فقرة "الوطن العربي وخطر الإعلام الموجه" المنطوية تحت هذه الدراسة, مع بعض التعديلات والإضافات الهامة للتنبيه والتحذير من خطر الإعلام الماسوني.
** الصهيونية وخطر الإعلام الموجه للأمة العربية **
تزايدت في السنوات الأخيرة شبكات التجسس الإعلامية التي تعمل بعضها لصالح الموساد وبعضها الأخر يعمل لصالح جهات أجنبية أخرى تقاطعت مصالحهم جميعاً بهدف نقل الفوضى والبلبلة ولاسيما الفوضى الإعلامية إلى معظم أقطار الوطن العربي بحجة حرية الصحافة والرأي والتعبير وما إلى ذلك من مسميات, ليمر من خلال هذه البوابة "اخطر المؤامرات الصهيونية"(2) ضد الأمة العربية والإسلامية في مختلف مراحل التاريخ السياسي.
المتتبع الدقيق لبعض القنوات الإخبارية الناطقة بالعربية سيجدها إعلاماً موجهاً بحتاً يخدم مصالح القائمين عليها, وسيُلاحظ أنها تشترك بطريقة أو بأخرى في تنفيذ مخطط "مشروع الشرق الأوسط الجديد" ومخططات الماسونية العالمية, وبأنها تعزف على وتر واحد وهو تهييج الشارع العربي وإحداث تصدعات عميقة في مجتمعاته. فإذا أردت مثلاً أن تسمع حرباً إعلامية على البحرين, في هذه الأيام بالذات, فما عليك إلا أن تضغط على قناة "العالم", وان أردت حرباً إعلامية على ليبيا أو اليمن فما عليك إلا أن تختار قناة "الجزيرة", أما أن رغبت في أن ترى حرباً إعلامية على إيران فعليك أن تتوجه لقناة "العربية" وقس الأمور على ذلك, وهذا ما يعرف بالإعلام الموجه.
ولتسليط الضوء على الإعلام الموجه وبشكل مختصر, سنأخذ هنا قناتين ناطقتين بالعربية تعملان وفق توجهات الخارجية الأمريكية. إحدى هذه القنوات معروفة بأنها قناة أمريكية وتعمل بحرفية عادية وأخرى تعمل بحرفية ومهنية عالية جداً بحيث يصعُب على المشاهد أن يُدرك بان القناتين معاً يتبعان لسياسة واحدة ويعملان في إطار "مشروع الشرق الأوسط الجديد" كإعلام موجه تديره أمريكا وتشرف على برامجها الاستخبارات الصهيونية. القناة الأولى هي قناة "الحرة" وهي قناة يعرفها الجميع والفكرة القائمة عليها "حالياً" هو التغطية والتمويه عن دور القناة الثانية التي سيأتي ذكرها لاحقاً, ليقتنع المشاهد بان لأمريكا قناتها الخاصة بها ولا يشك في عمل الثانية.
كما يعرف الجميع ولدعم التوجهات الأمريكية في المنطقة ومساندة الكيان الإسرائيلي في تنفيذ مشاريعه وتطلعاته, حرصت القيادة ألأمريكية على إنشاء قواعد عسكرية لها في بعض الدول ومنها العربية, إلا إنها في دولة قطر أقامت قاعدتين هامتين وليست قاعدة واحدة كما يتخيل للبعض. فالقاعدة الأولى عسكرية وهي قاعدة "العديد", أما الثانية فهي إعلامية وهذه القاعدة هي الأشد خطراً من القواعد العسكرية, فهي لا تغزو الدول فقط بل تغزو كل بيت. ومن خلال هذه القناة استطاع الأمريكان والموساد في بعثرة الكثير من الأوراق العربية ونسف مستقبل الأمة ونزع الثقة القائمة بين الشعوب وحكامها. وهذه القاعدة أو بالأصح القناة التي حاولنا الإشارة لها مسبقا هي قناة "الجزيرة" الإعلامية, تلك القناة التي بعد أن كانت مشروعا قطرياً بحتاً (حتى وان كانت فكرتها أمريكية) وناجحاً بكل المقاييس, لا كما وصفتها وثائق وكيلكس بأنها " أداه ابتزاز سياسي لدولة قطر" أو بأنها العصا التأديبية التي تستخدمها الدولة لمعاقبة أولئك الذين لا تنسجم سياساتهم مع سياساتها, تحولت بها الأمواج واُستُقطبت من قبل الاستخبارات الأمرو- صهيونية.
فبعد أن نجحت القناة نجاحا متميزاً واستأ سرت الشارع العربي وخصوصا بعد تأليبه على العدو الصهيوني, وجد فيها الموساد ضالته فانقض عليها بضوء اخضر من أمريكا وبالضغط منها على كبار القائمين على القناة. فتم توقيع الاتفاقات السرية بين القائمين وكبار المخضرمين الصهاينة, على أن تعمل القناة, لما لها من جمهور عربي عريض, لصالح السياسة الأمرو- صهيونية, مقابل حمايتها وحماية الدولة المالكة لها, وكان ذلك جلياً حينما قطعت السلطات المصرية بث القناة, فتضامن العالم الغربي والمنظمات الأمريكية كلها معها احتجاجا على قطع البث وان ذلك يتعارض مع الأعراف الإعلامية.
لقد استطاع الموساد أن يحول مسار خط القناة من مسار يضر بمصالحه وتطلعاته إلى مسار يخدمه ويخدم أهدافه. القناة ونتيجة للاحترافية المتميزة التي تمتهنها فهي ترتكز في سياستها على مهاجمة إسرائيل وبطريقة شرسة أمام الرأي العام "ظاهرياً" وتنفذ مشاريع الكيان الصهيوني وتقود التطبيع معه "باطنياً".
ومن هنا نستطيع التأكيد بان ليس لدولة قطر أي علاقة بالقناة, وان قطر كدولة عربية بريئة مما يلصق بها من تهم يحاول البعض إلصاقها بها. وهذا ما أكده الكثير من الساسة القطريين, منهم رئيس الوزراء حينما قال بان القناة هي "قناة مستقلة". وبما أن القناة مستقلة فذلك لا يدع مجال للشك بأنها تدار بريموت كنترول أمريكي وبان المواضيع الساخنة التي تقدمها القناة هي تحت إشراف المخابرات الصهيونية, وكل دلك لتنفيذ المخطط الصهيوني الذي يقول اليهود فيه بانهم ذاهبون " إلى الشعوب الفقيرة المظلومة في زي محرريها ومنقذيها من الظلم وندعوها إلى الانضمام إلى صفوف جنودنا من الاشتراكيين والفوضويين والشيوعيين والماسونيين وبفضل الجوع سنتحكم في الجماهير ونستخدم سواعدهم لسحق كل من يعترض سبيلنا" (3).
هاهي القناة تعمل وفق هدا المخطط وبمهنية عالية جداً لدرجة أن موظفي وعاملي ومعدي برامج القناة انفسهم (الذين لا يعرفون ما يدور من وراء الكواليس من اتفاقات بين القائمين الحقيقيين على القناة والموساد) لا يشعرون بذلك التوجه إطلاقا بالرغم لما يتمتعون به من ذكاء وحنكة إلا أن الطرف الأخر اشد حنكة ودهاء منهم, فلم يشعر القائمون يوماً على الإطلاق بمن يقف وراء هذه البرامج الخطيرة والمحرضة. بالفعل استطاع الموساد حقا أن يخترق القناة اختراقا كاسحاً, وكيف لا, وهو من اخترق معظم الأنظمة العربية!!! فقد بلغ استخفاف القناة بعقول العرب بان جعلت البعض منهم يصدق, على سبيل المثال, بان القناة حصلت على وثائق تدين السلطة الفلسطينية! وكأن لهذه القناة استخبارات تفوق الاستخبارات الروسية!
أيعقل بان الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بهذه السذاجة لان تُفقد بعض أوراقها ووثائقها الهامة بهذا الشكل, أم أن في الأمر شيء؟ أن كل ما في الأمر هو أن الموساد يُسرب الوثائق التي يُراد لها أن تُسرب, ويحتفظ بالوثائق التي يُراد لها أن تُحتفظ. فالوثائق وصلت للقناة إذن بأيادي صهيونية لضرب السلطة بحماس مجدا عن طريق منابر الحرية ومنابر من لا منبر له, وهو الشعار الذي تتخذه القناة لإثارة النعرات الطائفية والمذهبية من أجل تهئية العالم العربي خاصة والإسلامي عامة لإقامة دول حديثة مبنية على أسس عرقية وطائفية ودينية بحتة.
انتهجت القناة "كما يتابع الجميع", خلال الثورات الأخيرة, نهج يميل وبكثير إلى المعارضة مبتعدة عن الحيادية في نقل الحدث والحقيقة التي يحث عليها ميثاق العمل الإعلامي الشريف, ليتناسب ذلك مع أهدافها وبرنامجها, متبنية الوجه الأخر, ورافعة شعار "الحرية السياسية للشعوب", كطعم ترميه القناة أمام من تلك الشعوب, وهذا يذكرنا بمقولة اليهود " أن الحرية السياسية ليست حقيقة، بل فكرة. ويجب أن يعرف الإنسان كيف يسخر هذه الفكرة عندما تكون ضرورية، فيتخذها طعماً لجذب العامة إلى صفه، إذا كان قد قرر أن ينتزع سلطة منافس له"(4).
وهذا بالفعل ما قامت وتقوم به القناة حالياً لتمرير أفكارها وتوجهاتها, فمثلاً وفي أثناء حملتها الشعواء على مصر الكنانة كنا نرى المعارضين للنظام هم من يتكلمون باسم الحرية والديمقراطية ليل نهار دون رؤية نظر الوجه الأخر وسماع صوته بالشكل الكاف. وكانت كاميرات القناة وعدساتها موجهة على طرف دون أخر. ونفس الأسلوب نراه اليوم بتعاملها مع الدول الأخرى, وكأن القناة سُخرت للمعارضين ليس إلا, ولمن تتناسب أفكارهم مع أفكارها, وآراءهم مع أرائها, وأهدافهم مع أهدافها, وخططهم مع خططها.
فكان قرضاوي القناة يفتي, وهيكلها يُحلل, وقنديلها يُندد, وعطوانها يشجب, وزياتها يخطط, ومفكرها العربي "عضو الكنيست الإسرائيلي السابق" يستقرا الغيب, وهلم جره. بل وقالت القناة حينها بان طائرات إسرائيلية حملت أسلحة إلى مصر لمساعدة مبارك, وكأن مصر خالية من السلاح! ما هذا العبط وما هذا الاستخفاف بعقول البشر, ألا يوجد بمصر أسلحة؟ وكان غرض ذلك كله هو فقط تأجيج الصراع بين السلطة والشارع المصري لإسقاط النظام وبآي ثمن, إلى أن سقط النظام, لان أمريكا والموساد أرادا دلك, لاقتناعها حينها بان المظاهرات إذا فشلت في مصر ولم تأتي أوكلها, فان ذلك سيُعد مؤشرا سلبياً في سير خطة الفصل الأول من "مشروع الشرق الأوسط الجديد".
فشُنت الحرب الإعلامية الضخمة على مصر بحيث تحول مبارك إلى رجل يفوق الوليد بن طلال بثروته, بل وتعدت تلك الثروة لان تتجاوز ميزانية ليبيا للعام 2010 وهي الدولة التي تحتل المرتبة الثانية عشر عالمياً بين الدول المصدرة للنفط, بينما وهي "أي ثروة مبارك" والى الآن بحسب التصريحات الأخيرة, لم تتعدى الملايين بعد أن كانت قد وصلت إلى السبعين مليار دولار بحسب القناة التي اعتمدت في تقريرها على "صحيفة الجارديان البريطانية".
وها هو اليوم يكرر نفس السيناريو في ليبيا واليمن وبشعبيهما العظميين. فأكاذيب القناة لم تقف عند هدا الحد, ففي الأمس القريب بثت القناة أخباراً كاذبة عن القناصة في اليمن وعن السجون اليمنية, ونشرت صوراً لسجون تعذيبية في العراق وبثته على أساس انه في احد السجون اليمنية. وهنا احترفت بعض القنوات الإعلامية اليمنية وبعض المواقع الالكترونية مهنية متميزة وأبدع الجميع في إظهار الحقيقة, حيث أظهرت بالأدلة والبراهين زيف ما نشرته القناة, وبان ذلك التقرير كان قد نشر على قناة العربية في العام 2007 متحدثاً عن السجون العراقية وليست اليمنية, وعلى اثر ذلك سارعت القناة مباشرة وعلى استحياء للاعتذار, قائلة بان هذه الصور لم تكن في اليمن وإنما كانت في دولة عربية أخرى.
فضيحة حقاً مدوية لقناة تدعي الحيادية والشفافية والمصداقية, وسيخسرها ذلك دون شك الكثير من مشاهديها ومعجبيها, كون ذلك التقرير كان بإمكانه أن يقود إلى حرب داخلية كون اليمنيون شعب مسلح ويرفض الذل بتلك الطريقة المهينة للإنسانية. القناة لم تعد تنهج منهج التغطية المحايدة الشاملة لكافة الأحداث ومن جميع الجوانب, فلم نراها على سبيل المثال تنقل الحدث من ساحات ليبيا واليمن المختلفة, ألمؤيده والمعارضة معاً وعلى حدا سواء وبنفس التوقيت الزمني, بل صارت العملية برمتها انتقائية ليس أكثر.
يتضح لنا بجلاء بأن ما تقوم به القناة وبعض القنوات الأخرى في الوقت الراهن صار يشكل خطرا حقيقياً على كافة الشعوب العربية وليس على الأنظمة فحسب, وذلك يتطلب وقفة جادة وحقيقية من وزارات الإعلام العربية أمام كافة القنوات والوسائل الإعلامية التي تبث الكراهية والكذب وتزور الحقائق وتعرض امن الأوطان للمخاطر والانزلاق لما من شانه أن يقود الدول لفتن داخلية كبرى. فأمن الأوطان أهم من أي قناة ومن أي سبق صحفي يُسجل على حساب أرواح الأبرياء. ومع احترامنا لحرية الصحافة والإعلام الحقيقي والموضوعي والهادف, إلا أن معظم المؤشرات تدل على أن عمل قناة الجزيرة صار اليوم جزء من خطة ذلك المشروع الأمرو- صهيوني الخبيث, الذي تسعى الولايات المتحدة والصهيونية العالمية إلي تمرره وتطبيقه في عالمنا العربي. كل هذا يجعلنا نضع علامات استفهام كثيرة حول الأخبار التي بثتها وتبثها القناة, وعن مدى المصداقية فيها!!!
نستطيع القول إذن بان لقناة ساهمت و"ستساهم" بشكل كبير في تأجيج الصراعات بين الأنظمة العربية وشعوبها بهدف إضعاف وتمزيق الدول, وجعلها عاجزة عن تكوين أي اتحاد أو كيان عربي موحد يمكنه أن يقف عائقا أمام التحديات الصهيونية والمشروع الصهيوني الذي يقول الصهاينة فيه: " سنعمل كل ما في وسعنا على منع المؤامرات التي تدبر ضدنا حين نحصل نهائياً على السلطة، متوسلين إليها بعدد من الانقلابات السياسية المفاجئة التي سننظمها بحيث تحدث في وقت واحد في جميع الأقطار، وسنقبض على السلطة بسرعة عند إعلان حكوماتها رسمياً إنها عاجزة عن حكم الشعوب"(5).
يؤسفنا حقاً أن تكون قناة الجزيرة احد لاعبي هذا الدور السلبي المشؤم. ولم يتوقف دور القناة عند هذا بل صارت تلعب على وتر القضايا الإسلامية والعربية, مستثيرةً بذلك أحاسيس ومشاعر الشباب المتحمس, وليس ذلك حباً فيهم بقدر ما هو السعي وراء إسقاط الأنظمة العربية التقليدية وجر الشعوب إلى حروب أهلية وفوضى عارمة, ليس فقط لإنجاح المخطط الصهيوني بل وكذلك لتسمح للغرب بالتدخل والسيطرة على مقدرات الأوطان وثرواتها وتقاسم الكعكة مع الشركاء بحجة حماية المدنيين الأبرياء. ومن ثم إقامة أنظمة جديدة وعميلة قابلة للتطبيع مع الكيان الصهيوني بشكل كامل وفي شتى المجالات.
نؤكد هنا بأننا لسنا بصدد الدفاع عن الأنظمة أو أن نتحامل على قناة كانت في يوماً من الأيام "عربية", لكننا بصدد كشف الحقائق والدعوة إلى اخذ الحيطة والحذر من الإعلام الموجه. وهنا نتساءل لنقول : ألا يدرك القائمون على القناة بأنها ساعدت على زرع الفتن والعنصرية وبث روح الكراهية بين الشعوب بذريعة حرية التعبير؟ وبأنها ساعدت على إضعاف الأمة العربية ومقدراتها بحجة التحرر من الأنظمة الجائرة؟ ألا يعلمون بان قناتهم أنست الكثير منا القضية الفلسطينية وجعلتنا نركز على مواضيع فتح وحماس وألهتنا عن الموضوع الجوهري في هذه القضية الأم؟ بل وجعلتنا اليوم ننحرف بالمسار ونتوجه نحو دولاً عربية أخرى.
الم يدرك هؤلاء بأنه كان لدينا فلسطين واحدة وبفضل سياستها صار لنا أكثر من فلسطين وفي أكثر من بلد عربي جريح؟ الم يتساءل القائمون على القناة من هو المستفيد الأول من نشر الفوضى في عالمنا العربي؟ ألا يعلمون بان المخابرات الصهيونية وبفعل إعلامها الموجه هي من أسقطت العراق في مستنقع صعُب الخروج منه وهي من قسمت السودان إلى دولتان وهي من دمرت الصومال, وضربت تونس ومصر, وجلبت المستعمر إلى ليبيا وتهدد امن اليمن والأردن والبحرين, وان المخطط الأمرو- صهيوني لن يتوقف حتى يطال كافة الدول العربية, الصديق منها قبل العدو وبدون استثناء, ولكل اجل كتاب ولكلأ وقته وحينه؟
ويحق لنا أيضاً أن نتساءل لماذا لم تلعب القناة دوراً ايجابياً أخراً يعود بالنفع على الأمة العربية وتلاحمها طالما وهي قناة تهتم بمصالح الأمة العربية وشؤونها بحسب ما يقولون, كأن تعمل على الدفع بالشباب العربي من أقصاه إلى أقصاه وتهيج مشاعره نحو التظاهر والمطالبة بالوحدة العربية وباتحاد عربي مشترك, وفك حدود الدول فيما بينها؟ لما لم تشحن الشعوب نحو مظاهرات يومية تنادي بإيقاف الاستيطان وتضغط على الدول العربية لمنع تصدير النفط ولو برميلا واحداً إلى أن تُرفع الوصاية على القدس الجريح؟ ولكن يا تُرى لو كانت القناة حرضت على ذلك, فهل كانت ستلقى كل هذا الدعم وكل هذا التأييد وكل هذا التضامن من المنظمات الغربية حين يُقطع بثها؟ لا نظن.
علينا إذن أن نواجه الإعلام الموجه "ومهما بلغت قوته" بإعلام مضاد وان نتعامل وبحذر ونحن نتلقى معلوماتنا من الإعلام الموجه, وبالذات ذالك الإعلام الذي يعتمد على الأسلوب الصهيوني "في التخدير الذهني والمؤثر على أدمغة المشاهدين باستخدامه طريقة التنويم البطيء في تعامله معهم". فشعوبنا العربية تدفع اليوم كثيراً وستدفع غدا أكثر وأكثر نتيجة مشاهدة هذا النوع من الإعلام. فلقد صار الإعلام مندسا كما يندس المخربون بين أوساط الوطنيون الأحرار والمناضلون الثوار. فهل سيكون الإباء هم من اخرج المستعمر والأبناء الشباب هم من سيعدونه بسبب هذا الإعلام؟ وهل كان ليحصل ما يحصل اليوم في أوطاننا لولا تلك القنوات وخطاباتها التحريضية الرنانة؟ أخشى ما أخشاه أن يستيقظ شبابنا العربي متأخراً, فيجدون أوطان مدمرة محتلة, عليلة هزيلة, وكل ذلك بفعل إتباعهم ومشاهدتهم لهذا النوع من الإعلام.
فلنسعى للتغير إذن بالحوار وبالتفاهم وان ننزل للشارع إن أردنا وبحسب القانون, شريطة أن نرتقي بمطالبنا, وان نتصرف في مظاهراتنا كما علمنا ديننا الحنيف. فلا نقطع شجرة ولا نقذف حجر, ولا نهدم مؤسسة, ولا نروع طفلا, ولا نستبيح عرضا, ولا نقتل شيخا مسنناً, أو نضرب بعضنا بعضا. علينا أن لا ندمر الأوطان بل نبنيها, فالزعماء راحلون والأوطان باقية.
نقلا عن نبأنيوز
|