السبت, 25-يوليو-2009
صنعاء نيوز -

مازال الحوار الفلسطينى يراوح مكانه ، ومن جلسة إلى أخرى دون قدرة على ألإنتصار على أنفسنا وإنهاء حالة الإنقسام والعودة بالنظام السياسى الفلسطينى إلى مساره الطبيعى حتى تتوفر له عناصر التفاعل والنماء الذاتى والقدرة على التفاعل مع المستجدات والتغيرات ألإقليمية والدولية التى تؤثر فى بيئة النظام ، ومشكلةالحوار لا تكمن فى دور الراع الرئيس للحوار ، ولا فى حالة ألإستقطاب الإقليمى العربى ، وإن كانت هذه العوامل الخارجية تلعب دورا مهما فى مسارات الحوار ، ولكن المشكلة تكمن فى ألأساس فى طبيعة وخصائص النظام السياسى الفلسطينى وما طرا عليه من تحولات وتغيرات ومعطيات فشل معها النظام فى إستيعابها والتكيف معها ، ومن ناحية أخرى فى عدم قدرة القوتين الرئيسيتين فتح وحماس فى إستيعاب دلالات هذه التحولات ومحاولة كل منهما فى توظيفها لحسابها ، فتح من ناحيتها تريد الحفاظ على بنية النظام السياسى القديم ، وعدم قدرتها على التكيف مع التحولات الجديده التى قد طرأت على النظام السياسى وخصوصا ما يتعلق بالتغير فى مبدأ التحول فى السلطة ، وحماس من ناحيتها لم تتفهم أن هناك نظام سياسى قائم وله محدداته ومعطياته الثابته ، وله ثقافته وإستحقاقاته الداخلية والإقليمية والدولية ، ولذلك إستعجلت فى عملية التغيير لأسس النظام وإستبداله بشرعية جديده ، هذه هى المشكلة المركبة والمزدوجة التى قد تقف وراء تمسك كل طرف بمواقفه وتخوفه من تصورات ومدركات الطرف الآخر ألتى يحملها إزاء ألأخر وهنا ساهمت الخبرة التاريخية دورا سلبيا وعمقت من فجوة عدم الثقة بينهما .وعليه معضلة الحوار الفلسطينى تكمن فى عدم التوزان والتغير المتكافئ لمحددات بيئة النظام السياسى الفلسطينى ، ولفهم هذه ألأزمة فلسطينيا لا بد من وضعها فى السياق المنهج النظمى ، وهذا من شأنه أن يساهم فى وضع الحلول لهذه المشكلة . وبقراءة سريعة لتطور النظام السياسى الفلسطينى نلاحظ أن هذا النظام قد مر بثلاث مراحل ، المرحلة ألأولى مرحلة ألأحادية الحاكمه وهى الفترة ألأطول فى تاريخ النظام السياسى الفلسطينى حيث سادت حركة فتح وهيمنت على كل مؤسسات منظمة التحرير أولا ثم مرحلة السلطة الفلسطينية ، واستمرت هذه المرحلة حتى عام 2006 بفوز حماس فى ألإنتخابات التشريعية بأغلبية كبيرة ضمنت لها السيطرة على السلطة التشريعية ونصف السلطة التنفيذية ، وقد إتسمت هذه الفترة بغلبة النزعة الشخصانية وخصوصا شخصية الرئيس عرفات الذى نجح بكارزميته أن يفرض ويسيطر على كل بؤر صنع القرار السياسى، وأقل ما يقال فى هذه المرحلة أن حكم الفرد جاء على حساب دعم المؤسساتية الفلسطينية ، فعانى النظام السياسى من ترهل حكومى وترهل أمنى ، وشاخ قبل موعده ، وهذا ما يفسر لنا إنهياره بشكل سريع أمام محاولة حركة حماس ونجاحها فى السيطرة على غزه ، لكن هذه المرحلة لها إيجابيات أنها قد أسست للمؤسساتية الفلسطينية وخصوصا بعد وفاة الرئيس عرفات ، وأقامت وأرست للعمل الحكومى ، وأنشأت البنية التحتية لقيام السلطة السياسية ، وعليه أرست لتقاليد الحكم ، وأقامت شبكة من العلاقات الخارجية ، وأرست لبداية أسس التعامل السياسى مع إسرائيل من خلال سلسلة من ألإتفاقات .

أما المرحلة الثانية وهى مرحلة الثنائية السياسية المتصارعة والمتنازعه , وهى التى بدات مع فوز حركة حماس وتحول السلطة من فتح إلى حركة حماس ، وهنا ظهرت المشكلة بكل تجلياتها الثلاث ، عدم قدرة النظام النظام السياسى على التكيف مع هذا التحول ، وعدم قدرة فتح أو تهيؤها للقبول بهذا التحول على الرغم من تسليمها للسلطة بطريقة سلمية ، لكنها حاولت تقوية نفسها من خلال مؤسسة الرئاسة وتحكمها فى ألأجهزة ألأمنية والإدارية . وعدم قدرة حماس على تفهم وإستيعاب عبء عملية التحول ، وإفترضت أنها جاءت إلى السلطة وكأنها لا توجد تقاليد للسلطة ، وكانت النتجة الحتمية التنازع والصراع على السلطة الذى قاد إلى المرحلة الثالثه وهى مرحلة الإنقلاب على السلطة وهى جزء منها وقدرتها على التحكم والسيطرة على غزه ، وهنا ساهمت عوامل كثيره داخلية وخارجية فى الصمود والبقاء والتحدى لدرجة لم يعد الحديث عن الإنقلاب او السيطرة مجدى بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات ، لأننا بتنا أمام مرحلة سياسية بمعطيات ومحددات جديده لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها ، وهذا ما يفسر لنا التعثر فى الحوار وعدم القدرة على المصالحة ، فاحد أبرز السلبيات لهذه المرحلة العودة بالقضية الفلسطينية إلى حالة ألإستقطاب ألإقليمى والدولى وبطريقة أكبر مما كانت عليه فى السابق ، مما جعل القرار الفلسطينى رهينة هذا ألإستقطاب ، وبقدر التخفيف منه بقدر التقدم خطوة فى إتجاه الحوار والمصالحة .

ومن المظاهر والعوامل الأخرى التى قد ساهمت فى إستمرارية هذه المرحلة ، تراجع وضعف دور القوى والتنظيمات السياسية الفلسطينية ألأخرى ، ومحاولة كل من فتح وحماس على الإحتماء وراء عدد منها ، وتراجع واضح وملحوظ لدور مؤسسات المجتمع المدنى بل ومحاولة من القوتين فرض هيمنتها وسيطرتها عليها أو على ألأقل تحديد نشاطها ، أماالمواطن الفلسطينى فو مواطن مهموم مثقل بأعباء المعيشة والحصار ووجد نفسه ضحية هذا الإنقسام ، ولذلك فقد القدرة على التحرك الذاتى والمبادرة على التغيير ، ووجد نفسه وسط مواطنه مجزأه وولاء حائر ما بين الراتب ولقمة العيش وولاء لموقف سياسى ينبذه ويرفضه ، وفى هذا ألإنقسام السياسى تراجع وضعف السلطة السياسية المدنية وتنامت ظاهرة وقوة ونفوذ العسكر وألأجهزة ألأمنية ، مما زاد من تعقيدات الحوار الفلسطينى ، وجعل القرار بيد هؤلاء العسكر أو ألأذرع العسكرية .

هذه هى الصورة الشامله والبيئة التى تتم فيها جلسات الحوار الفلسطينى والتى قد تفسر لنا حالة ألإنسداد والتأزم فى جلساته وتأجيلها من جلسة إلى أخرى بل أحيانا التراجع فى التفاهمات عن الجلسات ألأخير . هذا الفهم يساعدنا فى الخروج من عنق الزجاجة ، ويضع أيدينا على الحلقة المفقودة . إذن البداية لأى حوار ناجح هو فى إعادة معالجة كل هذه الإختلالات فى بنية النظام السياسيى حتى لا يبقى أسيرا لحالة إستقطاب سياسى بين فتح وحماس ، وبقدر توسيع دائرة المساهمة والمشاركة بقدر توفير وبناء نظام سياسى بعيدا عن الإستقطاب والمحاصصة السياسية التى قد تعيدنا إلى الوراء ثانية .

دكتور ناجى صادق شراب /أستاذ العلوم السياسية /غزه
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 04-ديسمبر-2024 الساعة: 06:53 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-802.htm