صنعاء نيوز - 
أن خروج الموظف عن موجبات الوظيفة أمر مألوف ، وهو ما يطلق عليه"الجريمة التأديبية" أو الانضباطية والتي وضع المشرع لها إجراءات يجب أتباعها عند أخلال الموظف

السبت, 26-مارس-2022
صنعاء نيوز/ الدكتور عادل عامر -
الدكتور عادل عامر

أن خروج الموظف عن موجبات الوظيفة أمر مألوف ، وهو ما يطلق عليه"الجريمة التأديبية" أو الانضباطية والتي وضع المشرع لها إجراءات يجب أتباعها عند أخلال الموظف بواجبات الوظيفة أو مقتضياتها أو إتيانه فعلاً من الأفعال المحظورة عليه.. وموضوع التأديب باعتباره موضوعاً قانونياً بحتاً ، فهو مزيج من الإدارة العامة والقانون معاً

والتحقيق الإداري يمكن تعريفه بأنه مجموعة من الإجراءات التي تقوم بها سلطة معينة للوصول إلى الحقيقة بتحديد المخالفة الإدارية أو المالية والمسؤول عنها ومن الطبيعي أنه لكي تتخذ الإجراءات الانضباطية بحق الموظف لابد وأن ينسب إليه فعل من الأفعال التي أوجب القانون على الموظف الالتزام بها أثناء تأدية الوظيفة العامة، أو تلك التي حظر عليه ممارستها أثناء وجوده فيها.

نجد أن المشرع قد ألزم الموظف بواجبات تتعلق بما يجب عليه مراعاته عند ممارسته للوظيفة التي يشغلها ومن أمثلتها أداء أعمال وظيفته بنفسه بأمانة وشعور بالمسؤولية أو التقيد بمواعيد العمل وعدم التغيب عنه إلا بأذن، واحترام رؤسائه والتزام الأدب واللياقة في مخاطبتهم وإطاعة أوامرهم المتعلقة بأداء واجباته في حدود ما تقضي به القوانين والأنظمة وغيرها من الواجبات ونجد أن هذه الواجبات تتصل اتصال مباشراً بالوظيفة ويشكل الإخلال بها جرائم انضباطية.

استجواب الموظف

الاستجواب يعني مجابهة المتهم بالأدلة المختلفة ، ومناقشته مناقشة تفصيلية يفندها أن كان منكراً لها أو يعترف بها إن شاء الاعتراف، ويستهدف الاستجواب إلى تحقيق دفاع المتهم كي يستطيع تفنيد الأدلة التي تحوم ضده وهو في نهايته قد يسفر عن تدعيم أدلة الاتهام أو قد ينتهي إلى تفنيد الأدلة وانهيارها أن الموظف عند حضوره أمام اللجنة يحاط علماً بما نسب إليه من وقائع كانت سبباً في إحالته على اللجنة وتستمع إلى أقواله، فإذا أقر بصحة هذه الوقائع فأن اللجنة تكتفي بذلك دون الحاجة إلى سماع أقوال آخرين، إذا كان من شأن هذا الاعتراف أن يولد القناعة لدى اللجنة بأن الموظف قد أرتكب تلك الأفعال، إما إذا كان هذا الاعتراف لا يحيط بكل ما نسب إليه فأن على اللجنة أن تعزز ذلك بأدلة أخرى.

أما في الحالة التي ينكر فيها الموظف ما نسب إليه فأن على اللجنة مواجهته بالأدلة المتوفرة لديها، لأن من شأن هذه المواجهة أن تجعله يعدل عن إنكاره خاصة إذا تمت مواجهته بالشهود أو بغيره من المحالين على ذات القضية.

أن خلو قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام من النص على إجراءات معينة بخصوص محاكمة المتهم انضباطيا لا يعني حرية الإدارة المطلقة، إذ قرر القضاء الإداري أن المحاكمات الانضباطية كالمحاكمات الجنائية يجب أن يراعى فيها إجراءات وضمانات ما يراعى في الإجراءات الجنائية دون الحاجة إلى وجود نص يقضي بذلك تطبيقاً لمقتضيات العدالة والأصول العامة في المحاكمات ويمكن التساؤل عن الحالة التي يحضر فيها الموظف امام اللجنة التحقيقية ويرفض الإدلاء بأقواله؟ نرى في هذه الحالة على اللجنة السير بإجراءات التحقيق وفقاً للأدلة المتوفرة لديها في القضية موضوع التحقيق سواء كان ذلك من خلال المستندات المبرزة أو من خلال الاستماع إلى أقوال الشهود، لأن إسقاط صاحب الشأن حقه يمنع عليه الاحتجاج بذلك وتجوز محاكمته رغم امتناعه عن الدفاع عن نفسه، ووجه ذلك يعود إلى أن الفرد لا يستطيع أن يحول دون تطبيق القانون بإرادته المنفردة

العلاقة بين المسؤولية الجنائية والمسؤولية التأديبية

أن الفقرة ثالثاً من المادة (10) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام قد ألزمت اللجنة التحقيقية إذا رأت أن فعل الموظف يشكل جريمة نشأت عن وظيفته أو أرتكبها بصفته الرسمية فيجب عليها أحالته إلى المحاكم المختصة.

فما هو تأثير هذه الإحالة على قرار اللجنة من الناحية الانضباطية، أي بمعنى هل أن اللجنة تتخذ قرارها بمعاقبة الموظف انضباطيا على الرغم من أحالته إلى المحكمة المختصة للتحقيق فيما نسب إليه من أفعال تشكل جريمة جنائية أم أنها تعلق ذلك على نتيجة الحكم الجزائي؟

أن الإجابة على هذا التساؤل يقتضي التفرقة بين حالتين:

الحالة الأولى: عدم وجود ارتباط بين المسؤولية الجنائية والمسؤولية التأديبية.

أن قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل أشتمل على كثير من الجرائم التي ترتكب من قبل الموظف أثناء تأدية وظيفته، فإذا ما ارتكب الموظف أحدى تلك الجرائم فأن ذلك لا يحول دون مساءلته انضباطيا عما نسب إليه لعدم وجود ارتباط بين تلك المسؤوليتين ومن أمثلة ذلك ما نصت عليه المادة 330 من قانون العقوبات " يعاقب بالحبس كل موظف أو مكلف بخدمة عامة أمتنع بغير حق عن أداء عمل من أعمال وظيفته أو أخل بواجب من واجباتها نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة أو لأي سبب غير مشروع".

وما نصت عليه المواد التالية لهذه المادة " الفصل الثالث تجاوز الموظفين حدود وظائفهم"

ففي هذه الحالة تتخذ اللجنة قرارها بالتوصية بفرض أحدى العقوبات المنصوص عليها في قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام بحق الموظف مع استمرار أحالته إلى محكمة التحقيق المختصة، ولا تعلق فرض العقوبة على نتيجة الدعوى الجزائية.

الحالة الثانية : إذا كان هناك ارتباط بين الدعوى الجنائية والدعوى التأديبية ولا يمكن الفصل بينهما. أن جانب كبير من الفقه والقضاء، يسلم باستقلال مجال كل من المسؤوليتين الجنائية والتأديبية عن ذات الفعل، ومع هذا أستقر العمل على وقف إجراءات التأديب بالنسبة الى كل موظف يحال الى المحاكمة الجنائية انتظاراً الى نتيجة هذه المحاكمة، فإذا حكم على الموظف " بعقوبة جنائية" أوعن" جريمة مخلة بالشرف" يكتفي بالنتيجة المترتبة على هذا الجزاء وهو الفعل، وإلا نظر في أمره ووقع عليه العقوبة التأديبية في ضوء ما يسفر عنه التحقيق والمحاكمة الجنائية.

وهناك من يرى أنه في الحالة التي تخطر فيها الإدارة العامة بالواقعة، فأن لجهة الإدارة أما إيقاف التحقيق الإداري أو الاستمرار فيه وتوقيع الجزاء التأديبي على الموظف ، وأما في حالة أخطار النيابة العامة أولاً بالواقعة والتحقيق فيها فأن على جهة الإدارة إيقاف التحقيق إلى نتيجة المحاكمة الجنائية



أما في ظل قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم14 لسنة 1991 فأن المشرع في المادة 22 منه لم يعلق فرض العقوبة بحق الموظف المخالف على نتيجة المحاكمة الجزائية إذ أن براءة الموظف أو الإفراج عنه من قبل المحكمة الجزائية عن الفعل المحال عليه لا يحول دون فرض أحدى العقوبات المنصوص عليها في هذا القانون.

وفي هذه الحالة فأن اللجنة التحقيقية تستمر بتحقيقاتها وتوصي بفرض أحدى العقوبات المقررة حتى إذا اتخذت توصيتها بإحالته إلى المحاكم المختصة.

إلا أن هناك حالات استثنائية تتعارض فيها البراءة بحكم جنائي مع الإدانة انضباطيا، ونعني بهذه الحالة هو انتفاء الواقعة التي كانت محلاً للإحالة إلى المحكمة الجزائية ومحلاً للإدانة الانضباطية أو التأديبية كما لو وجه له الاتهام بالسرقة أو إفشاء السر أو التعدي على رؤسائه وصدر الحكم الجنائي بتبرئته، في هذه الحالة ينهض التعارض بين الحكم الجنائي وبين الحكم التأديبي ولابد من احترام حجية الحكم الجنائي وإهدار قرار الحكم التأديبي

الإحالة إلى المحكمة المختصة أثر التحقيق الإداري

سبق وأن بيننا بأنه يمكن للجنة التحقيقية أن تواصل أجراء التحقيق الإداري بحق الموظف المحال عليها حتى في الحالة التي يشكل فيها فعله جريمة ويمكن لها أن توصي بفرض أحدى العقوبات المقررة بحقه دون أن تعلق ذلك على نتيجة الحكم الجنائي.

فإذا أجرت اللجنة تحقيقاتها وأوصت بفرض العقوبة الانضباطية بحقه فما هوأثر التحقيق الذي أجرته على أحاله الموظف إلى المحكمة المختصة، أي بمعنى هل أن محكمة التحقيق المختصة تتخذه دليلاً عند الإحالة؟

لقد اعتادت محاكم التحقيق المختصة، عندما يتعلق الأمر بجريمة مرتكبة من قبل الموظف أثناء تأدية وظيفته أن تطلب من دائرته إرسال نسخة من التحقيق الإداري الذي أجرته لربطه مع الأوراق التحقيقية.

وقبل البحث في حجية التحقيق الإداري لدى المحكمة المختصة التي تجري التحقيق مع الموظف المحال عليها لابد وأن نتطرق الى موقف الفقه والقضاء من طبيعة العقاب الجنائي والتأديبي.

أن الفقيه الفرنسي جيز يرى أن الغرض من السلطة التأديبية ينحصر في مدى تحسين سير المرفق العام عن طريق توقيع العقوبة على الموظف، أو طرده من الخدمة مؤقتاً أو بصفة نهائية، ففكرة العقاب بناء على العدالة لا توجد أطلاقاً، وإذا وجدت فبطريقة ثانوية

ويرى العميد دوجي أن العقاب التأديبي هو من حيث أساسه عقاب جنائي لأن كلا العقابين يستند إلى سلطة الدولة أما الفقيه فالين فيرى أن كلا القانونين يستهدف تحقيق احترام القواعد المنظمة لجماعة ما عن طريق العقاب والإرهاب فالتأديب الإداري يرمي إلى تحقيق غرض مواز لأهداف قانون العقوبات وتأمين النظام داخل نطاق جماعة منظمة معينة. وكل جماعة منظمة من حقها أن تعاقب الخارجين على النظام من أعضائها أما القضاء والمتمثل بقضاء المحكمة الإدارية العليا المصرية فقد قضت بأنه( لا تطابق بين نطاق الجريمة الجنائية والجريمة التأديبية :فالمحكمة التأديبية لها مجالها الخاص لاختلاف طبيعتها عن المحاكمة الجنائية: الأولى قوامها مخالفة الموظف لواجبات وظيفته، وخروجه على مقتضياتها، فهي متعددة الصور، ونطاقها غير محدود، وهي بهذه المثابة تعتبر ذات كيان مستقل عن الاتهام الجنائي الذي يستند إلى جرائم وعقوبات محددة ،ومن ثم فأن الفعل الواحد، كما يشكل جريمة من جرائم القانون العام، يمكن أن يتمخض في ذات الوقت عن مخالفات تأديبية وذنوب أداريه يرتب القانون الإداري الجزاء عليها.., وسبق لهذه المحكمة أن قضت بأن الذنب التأديبي يختلف عن الجريمة في أنه لا يخضع لقاعدة " لا جريمة بغير نص" وإنما يجوز لمن يملك قانوناً سلطة تأديبية أن يرى في أي عمل إيجابي أو سلبي يقع من الموظف عند ممارسة أعمال وظيفته ذنباً تأديبياً "إذا كان لا يتفق وواجبات الوظيفة"

ومن هذا يتضح أن الجريمة التأديبية قوامها مخالفة الموظف لواجبات الوظيفة أو مقتضياتها أو لكرامة الوظيفة على اعتبار أن الموظف ملزم بالمحافظة على كرامة الوظيفة العامة والابتعاد عن كل ما من شأنه المساس بالاحترام اللازم لها سواء أكان ذلك أثناء أداء وظيفته أو خارج أوقات الدوام الرسمي.

بينما الجريمة الجنائية هي خروج المتهم على المجتمع فيما ينهي عنه قانون العقوبات أو القوانين الجنائية أو تأمر به والاستقلال بين الجريمتين قائم حتماً حتى ولو كان ثمة ارتباط بين الجريمتين.

أن اللجنة التحقيقية عندما تصدر توصيتها بفرض العقوبة على الموظف المحال عليها فأنها تستند في ذلك إلى ما قررته القواعد القانونية في قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام ولا يمكن أن تستعير لفعل الموظف وصفاً جنائياً وارداً في قانون العقوبات لأن إسناد الفعل يجب أن يكون إلى النظام القانوني الواجب التطبيق

وحيث أن الجزاء التأديبي الذي يفرض على الموظف العام لا يستند على مخالفات محددة وفقاً لما نص عليه قانون العقوبات من توصيف للجريمة وتحديد لعقوبتها، وحيث أن للإدارة سلطة تقديرية واسعة في اعتبار الفعل المرتكب من قبل الموظف جريمة تأديبية ،

فأنه في هذه الحالة لا يمكن اعتبار التحقيق الإداري ذا اثر منتج في الدعوى الجزائية إلا في الحالات التي تجد فيها المحكمة المختصة أن في شهادات الشهود الذي استمعت إليهم اللجنة التحقيقية ما يعينها على التوصل إلى الحقيقة وعليها في هذه الحالة دعوتهم للاستماع إلى شهاداتهم أمامها دون الاعتماد على شهاداتهم الواردة في أوراق التحقيق الإداري.
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 22-نوفمبر-2024 الساعة: 03:33 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-82620.htm