صنعاءنيوز/علي ربيع -
> لقد خاض المجتمع الغربي صراعاً مريراً ضد الأبوية الدينية والاجتماعية على مدار قرون طويلة، وهو يعيش الآن حصاد هذا النضال ويجني ثمرة كفاحه من أجل إيجاد صيغة نظرية للحياة قابلة للتطبيق ومكتملة الشروط، لكن هل يمكن أن يقفز اليمنيون أو العرب عموماً فجأة لتناول هذا المنجز الغربي وجعله النمط الأنموذج للحياة؟ هل يمكن أن نتحول من القبيلة إلى الحزب ومن التراتبية الاجتماعية والطبقية إلى المجتمع المدني المتساوي في الحقوق والواجبات في غمضة عين مقدارها عشرون سنة أو حتى خمسون سنة!
هل المسألة مسألة رئيس جديد وتعديلات دستورية تتوافق عليها النخب السياسية أو المجاميع الحزبية وحسب، أم أنها مسألة استعداد وعي فردي وجمعي للتغيير، هل لدى اليمنيين استعداد لقبول الفكرة وتطبيقها؟ هل لديهم استعداد للتخلي عن الولاء للشخص أو الأب أو الحزب أو المنطقة أو القبيلة لصالح الولاء للمؤسسة؟ هل لدى اليمنيين الاستعداد لهدم معبد الثقافة النمطية التي تجتر نفسها منذ قرون طويلة لتعيد إنتاجها في شكل حداثي خادع جوهره يميل إلى أصله القديم؟ هل لدى اليمنيين استعداد للإيمان بأنهم يمنيون وحسب؟
أعتقد أن طموحات بعض الساسة الحالمين وبعض المثقفين مبالغ فيها، ولا يقل في هذا الشأن أصحاب اليسار المتخلف عن أصحاب اليمين المتطرف، والمفترض أن سياسة المجتمعات الأصيلة لا تكون نابعة عن هوى أو مزايدة أو مكابرة، يجب أن ندرس الواقع لنتفق جميعاً على الممكن الممكن، والممكن المستحيل، ووفقاً لذلك نصوغ نظريتنا الممكنة للحياة، وبذلك فقط يمكن أن يستدل الآخر الغربي أو الشرقي على إنسانيتنا وفاعليتنا الحياتية.
هل ما نشاهده اليوم من غليان حزبي جماهيري يعني أننا وصلنا إلى مرحلة التجريد بحيث أننا لا نرى إلا اليمن؟ ألم توهمنا النخبة أو من أطلق عليهم النخبة أنهم قضوا على الإمامة وطردوا الاستعمار؟ لكنهم في الحقيقة لم يقضوا على الإمامة (كجوهر) ووظيفة في أنساق الوعي الثقافية للمجتمع اليمني، ولم يطردوا سلطنات المستعمر من أعماق الذهنية المفكرة، ولم يحررونا من مخاوفنا الحقيقية حتى الآن، ولا بأس أن ننبه نخبة اليوم إلى مراجعة الأجندة المطروحة من أجل اختيار دقيق للممكن الحياتي الذي يناسب اليمنيين.
فالديمقراطية إما أن تكون هي الديمقراطية ذاتها وإلا فهي لا شيء، وحكم المجتمع المدني إما أن يكون هو هو وإلا فهو أيضاً محض سراب، والمؤشرات الواضحة من ميادين الاعتصامات وكواليسها تقول إننا لا نزال بعيدين عن الديمقراطية الممكنة ومتعلقاتها بمراحل مليونية الأميال والفراسخ، لأننا لم نهيئ عقولا حقيقية قادرة على صناعة فعل التغيير باشتراطاته، وفي اعتقادي أن النخب المثقفة ستظل تصرخ في فراغ هذا إن صدقت نواياها، فما بالك لو كانت في دائرة شبهات الكذبة النخبوية التي تتقن الشعارات لتصل إلى ما يشبع أنانيتها الخاصة وحسب.
إن ثقافة الأب الواحد سواء أكان شخصاً أو أيديولوجيا لا تزال تهيمن على العقلية المجتمعية حتى على الصعيد الحزبي، فكلهم آباء ورموز، وحتى على مستوى الأجيال، فآباء الستينيات والسبعينيات وما قبلها وما بعدها هم رجال اللعبة وحسب، وتأملوا معي واقع الوجوه الحزبية والقبلية الفاعلة الآن، القوى نفسها، الأشخاص أنفسهم أو أبناؤهم، الصراع ذاته، الضياع يكرر نفسه لأننا نريد أن نقفز وأن نحاكي وندعي دون أن نكتشف من نحن وماذا نريد، وما هي الممكنات التي تناسبنا لتشكل لليمن طوق النجاة؟