صنعاء نيوز/ إبراهيم أمين مؤمن-مصر -
وأخبره كاجيتا بطريقة عملها، وأعطاه ثلاث مجموعات من ذرات الرابيديوم واحتفظ بالمجموعتين الأخريين دون علم الرئيس.
خرج كاجيتا من القصر بعد أن صرفه الرئيس على أن يلتقيه في اليوم التالي.
تمتم كاجيتا وهو في طريقه للخروج: مع الرئيس خمس قنابل، بينهما اثنان لن يعملا (يقولها وهو يقذف بالمجموعتين المصرورتين إلى أعلى بيده اليمنى ثم يتلقفها بها مرة أخرى).
***
لم يهدأ فريق كاجيتا منذ أن فارقوا أرض الوادي الجديد، وفور أن وطأت أقدامهم أرض اليابان ذهب كل واحد منهم إلى أهله وقلوبهم تتأجج نارا وحسرة على تلك القنابل التي صنعوها بأيديهم ولم تكن بحوزتهم.
وبدل من إطفاء لهيب الوحشة التي غمرت أرواحهم -بفراقهم للأهل والأحباب- بالاستئناس بالأهل والأحباب هجروهم وانعزلوا تماما عنهم لأن قنابل الثقوب السوداء التي شاركوا في صنعها قد أخذت بلب قلوبهم، ولقد حركت قدراتها الرهيبة مشاعرَهم فتولد من رحمها أجنة العظمة التي بدأت تنمو وتنمو طوال الليل حتى تمنى كل واحد منهم أن يمتلكها ليدعو إلى نفسه إلها.
ورغم تلك المشاعر المتأججة التي استعمرت أرواحهم إلا أن الأمر لا يخلو لبعض من ملامة النفس، فهم يعلمون ما لا يخفى على أحد من شعب اليابان منزلة المعلم الذي بات عند بعض طوائفهم -إن لم يكن جلهم- في منزلة إله. وفي نهاية الصراع الدائر على حلبة أنفسهم فتك الشر بلوم النفس فأجهز عليها.
أما ناكامورا فقد أكل الحقد قلبه، واشتعل قلبه غيظا وحسرة ألا يمتلك تلك القنابل.
قضى ليلته عاضا في أنامله، ويكز على أسنانه بين الفينة والأخرى ويزوم ويزمجر كالرعد. ولقد توغل الغضب في أوصاله وتدفق الدم إلى رأسه حتى تحول إلى جمرة من نار لو سلطت على شيء لأكلت منه اليابس قبل الأخضر.
ولقد أكره نفسه كي تلتزم السكينة وتتلبس بالحكمة والتعقل حتى يجد طريقة تمكنه من الحصول على القنابل.
وبعد تدبر تراءى له إنه لم يكن أمامه سوى وسيلتين، الأولى الذهاب إلى الوادي الجديد والنزول بالمختبر وصنعها بيد أنه قال: ربما لا أستطيع صنعها؛ ثم لابد من تصريح من رئيس دولتي لأدخل المصادم، وهذا مستحيل.
إذن فلا يوجد سوى الوسيلة الأخرى. وقد عزم على تنفيذها. وهي قتل كاجيتا.
وظل يضرب كلتا يديه بعضهما ببعض، وهو يزفر متوجعا، وينظر من النافذة لعل خيوط الفجر تبكر هذا اليوم ويتنفس الصبح، بيد أن حرقة الانتظار حولت تلك الخيوط إلى سياط من نار تجلد ظهره، وتنفس الصبح المنتظر تحول إلى لفح من جحيم الآخرة.
وفور أن تنفس الصبح خرج من منزله واستقل سيارته وهاتف زملاءه.
اجتمع بهم بعد بضع ساعات وفاتحهم في الأمر، فانقسموا إلى فريقين، الأول يرى سرقتها فحسب والثاني يفضل قتله ليفسح لهم المجال في السيطرة على الكون.
واستقروا على قتله، بل قتل فهمان وجاك أيضا لأن أولئك الثلاثة سيمثلون لهم مصدر تهديد إن بقوا على قيد الحياة.
***
توجه كاجيتا نحو قصر الرئاسة في الساعات الأولى من الصباح.
فلما دخل عليه بادره الرئيس بقوله: «يا كاجيتا، متى نبدأ تنفيذ الخطة بالضبط؟»
أجابه: «سيادة الرئيس، ثمة مسائل تقنية تخصكم، فعليك الانتهاء منها أولا قبل الشروع في خطة الهلاك.»
قال الرئيس مستاء: «كيف؟»
قال كاجيتا: «وضع القنابل ليس بالأمر الهين، فلابد من تسلل الرجال الثلاثة ليرموا بالقنابل الثلاثة بالقرب من الأماكن التي تتجمع فيها سفنهم.»
قال الرئيس: «إذن سأحتاج إلى وزير دفاعي ليكلف خبيرا في فنون القتال البحرية بمهمة إلقاء القنابل بالقرب من سفنهم.»
وهاتف الرئيس بالفعل الوزير، فجاء وبصحبته الخبير على الفور، وبعد أن علم الخبير تقنية عمل تلك القنابل حدد كيفية وضعها بجانب تلك الأساطيل الثلاثة.
ومما قال: «سنأتي بثلاثة صياديين.»
دهش الرئيس وسأله: «كيف ذلك؟»
أجابه: «لم أقصد صياديين بالفعل، وإنما رجالنا سيمتهنون مهنة الصيد حتى ينتهوا من مهمتهم. سنغلف تلك القنابل بطعام لا تأكله الأسماك ثم نضعها في شص (أداة صلبة معكوفة تعلق فيها السنارة) صيد السمك ويلقونها في السواحل، ويتركون العنان للخيط ليقترب من تلك السفن، ويتابعون عن بعد ثم ينصرفون في الوقت المناسب.»
بعد أن حدد كاجيتا الوقت المناسب له قال: «خطة لا بأس بها.»
قال الرئيس: «أيها المحترف، ابدأ التنفيذ.»
ولما انصرفا (الوزير والخبير) قال كاجيتا: «لا بأس بوسيلة الخبير، فهي سوف تمكننا من نقل نحو ربع مليون فرد، وهم أفراد طواقم السفن.»
قاطعه الرئيس دهشا وقال متمتما: «نقل، نقل! ألن يهلكوا؟»
أجابه كاجيتا: «للأسف مصيرهم مجهول، فمصير اليابان في عام 1945 معلوم، أما مصير أمريكا بعد بلعهم بقنابل الثقوب السوداء فمجهول.»
قال الرئيس غاضبا دهشا: «يا كاجيتا، كثرة مفاجآتك التي تقذفني بها الواحدة تلو الأخرى سوف تصيبني بالجنون، كيف يكون مصيرهم مجهول؟»
قال متوجعا بعد أن زفر زفرة ضيق طويلة: «للأسف، قد يحيون في بُعد آخر ويصبحون ملوكا في بُعدهم.»
رفع الرئيس يده إليه لا يلوي على شيء سوى العجز عن الكلام، وتمتم ببضع كلمات غير مفهومة، وغمغم بصوت مسموع، وأخيرا سكت ثم قذفه بقوله وهو يشير بأنامل يده اليمنى إشارة انصراف: «كاجيتا، لا أريد أن أعرف شيئا عن تلك القنابل الملعونة، فقط نفذ خطتك.»
قال كاجيتا: «ثمة تعديل طفيف في الخطة، سوف ننقل أساطيل ثلاثة، ونعدم الرابع المتمركز في بلدنا بالرصاص لأننا لن نستطيع استخدام القنابل على أراضينا حتى لا يصاب أي مواطن ياباني بسوء.»
قال الرئيس وهو يقهقه: «أي رصاص يا كاجيتا! سوف نضربهم بالطوربيدات.»
- «حسنا، سوف أجلس في معملي، وانتظر إشارة انتهاء مهمة الرجال الثلاثة، فور أن تأتيني الإشارة سوف أفعّل عمل القنابل.»
- «سأخبرك فور انتهاء عملهم واجتماعي بحكومتي، هيا امض إلى مختبرك.»
بسط كاجيتا يده ولم يتكلم.
قال الرئيس دهشا: «ماذا تريد؟»
- أريد القنبلتين.»
قال الرئيس وهو لا يعي ما يقول: «سأحتفظ أنا بها، وآمرك أيضا بألا تنزل بالوادي الجديد إلا بأذني.»
فانصرف كاجيتا غاضبا.
***
فور رحيل كاجيتا أرسل إلى الحكومة وعقد معهم جلسة سرية للغاية.
وأخبرهم بما يريد.
لم يمانع أو يتردد منهم أحد بل باركوا خطته ودعوا لكاجيتا بالتوفيق.
ولم يمانعوا في اختيار الثلاثة أساطيل التي انتقاهم رئيس الوزراء سابقا وهم: أسطول مدينة سان دييغو، والأسطول الرابع في مدينة جاكسونفيل فلوريدا، والعاشر بولاية ماريلان بأمريكا. كما لم يمانعوا أيضا في محاصرة الأسطول الرابع المتمركز على سواحل كاناغاوا اليابانيّة ومن ثم رميهم بمجموعة من الطوربيدات التي سوف تنطلق من السفن المقاتلة اليابانية المتاخمة لهم.
وثمة معضلة لابد من إيجاد حل لها، وهي تداخل بعض القوات اليابانية مع الأساطيل البحرية الأمريكية لأنهما يحاربان معا كتحالف ضد الجانب الشرقي بقيادة الروس والصين.
وقد اتفقوا أيضا من أجل حل هذه المعضلة وهو الإعلان عن انسحاب اليابان من الحرب الدائرة متعللين بأن رامسفيلد رفض عرضا سخيا من الروس دون مبرر، ومن ثم فإن رفضه قد يودي بالعالم على حافة الهلاك.
واستكمالا للخطة قرروا قتل جاك وفهمان معا، لذلك حددوا فرقة مقاتلة من فرق الساموراي لإرسالهم إلى الوادي الجديد لقتلهما هناك، فوجود جاك مع فهمان في المختبر FFC-2 غير خاف على أحد.
وبتلك الخطة المحكمة تحكم العالم كما تنهي على آخر أمل لأي دولة تشاركها حكمها إذا ما تمكنت من صنع قنابل الثقوب السوداء أو الحصول عليها بأي طريقة ما.
***
وتم لهم ما أرادوا، حيث انسحبت القوات اليابانية المشاركة في الحرب العالمية ولاسيما البحرية منها، وكان الرجال الثلاثة في هذا الوقت على أهبة الاستعداد حيث الأساطيل منشغلة بأمر انفصال الأساطيل اليابانية عنها؛ وألقوا السنارات الثلاث بنفس الطريقة التي حددها لهم المتخصص في فنون القتال البحرية.
وسبحت السنارات الثلاث في اتجاه السفن، تلك السفن التي تسبح في سواحل المحيط الأطلسي والهادي وعليها مدمرات وطرادات وطوربيدات فضلا عن حاملات الطائرات التي تحلق فوقها مباشرة لتمدها بما تريد وتكون لها بمنزلة غطاء جوي لحمايتها، كما أنها مأهولة بطواقم يبلغ قوام أفرادها 250 ألف فرد.
***
ودخل كاجيتا المعمل ونصب ذرات الرابيديوم الثلاث بطريقة تمكنه من ضربها جيدا. وقال: الآن أفعل ما أشاء دون أن يصل إليّ أحد لأنه لا يمكن تتبع مصدر الضرب.
وظل ينظر إليها نظرة الضبع الجائع لإحدى فرائسه، كل أوصاله ترتعد، وعيناه ترميان بشرر كأنه يتأجج من لهيب الجحيم.
بعد بضع لحظات أمسك هاتفه، ونصبه تلقاء وجهه، وظل يحدق به لأكثر من عشر ساعات، وهو واقف لم يجلس قط، وأخيرا همس: هيا، اتصل أيها الداعر الماجن.
وفور أن انتهى من قوله رأى اسم رئيس الوزراء على هاتفه، وطرق جرس الهاتف أذنيه كأجمل لحن في الوجود.
وما لبث أن رمى الهاتف كأنه قطعة من جمر بعد أن فتح الاتصال، وأمسك جهاز الليزر بكلتا يديه يضرب في ذرات الرابيديوم رغم أنه لم يسمع قول الرئيس.
أما الهاتف فملقى على الأرض تسمع منه قول رئيس الوزراء وهو يردد قوله: كاجينا نفذ، كاجيتا ألم تسمعني! نفذ.
***
|