صنعاء نيوزد.عادل الشجاع -
-
يتساءل المواطن العادي: اليمن إلى أين؟ هذا السؤال يعبر عن الحيرة بالنسبة لهذا المواطن العادي, بعدما رأى المثقفين والمفكرين يعيشون حلماً رومانسياً ويتكلمون من داخل الكتب ويتراءى لهم المستقبل من داخل النظريات، بعيداً عن الواقع. لعل المواطن البسيط معه كل الحق، خاصة وأنه كان قد سمع هؤلاء المثقفين والمفكرين الذين ينحدرون من اليسار بمختلف توجهاتهم القومية والأممية وهم يتحدثون عن ثورات العالم التي انطلقت من بيانات حقوق الإنسان ومن كتاب العقد الاجتماعي وأطروحة الحكومة المدنية والبيان الشيوعي وحتى رسائل الخميني عن ولاية الفقيه وكتابات كثيرة أرشدت الناس إلى الطريق التي سوف تذهب إليه هذه الثورات.
وكان من حق هذا المواطن البسيط أن يتساءل: هذه الثورة التي يبشر بها هؤلاء المحقونون بخدر القات اليومي أين هو كتابها أو بيانها السياسي غير فكرة إسقاط النظام؟.
لقد استوقفني عامل بالأجر اليومي وهو ينتمي إلى الشريحة المنتجة في اليمن، فبقية الشرائح ليست منتجة بما فيها أساتذة الجامعة ورؤساء الأحزاب والمشايخ وأصحاب رأس المال، وسألني سؤالاً يدل على حكمة ووعي يفوق وعي أولئك الذين عطلوا الدراسة بالجامعة والمدرسة وذهبوا إلى الساحات ليعتلفوا القات، أو ذهبوا إلى منازل المشايخ ليحظوا بشرف الجلوس إليهم وقال لي: عندما سمعت بالثورة ظننت أنكم أساتذة الجامعات قد قمتم بثورة علمية ومعرفية داخل هذه الجامعات وصنعتم جيلاً للمستقبل قادراً على إيجاد ثورة صناعية وزراعية.
قلت له: وماذا ترى أننا صنعنا؟ قال لي: صنعتم قبائل تقطع الطرق وتمنع عنا الغاز والكهرباء.. صنعتم جماعات من الحاقدين.. وانضممتم إلى جماعات تكره الحياة وتمجد الموت.. لم تصنعوا لغة جديدة ترفض الاستبداد وتطالب بتلبية حقوق جميع المواطنين, وإنما صنعتم لغة تقوم على التمايز الاجتماعي والمناطقي والمذهبي.. لم نر حقيقة المواطنة والحداثة والصفات المدنية، وإنما أخذتم من الثورات روح الفوضى والانقسام.. هل تستطيع أن تقول لي إلى أين نحن ذاهبون؟
قلت له: إن الثورة سوف تحقق الاستقرار والحفاظ على الوحدة وستوزع الثروة عليكم، حتى بيوتكم، ولن تعملوا بعد اليوم وسنستورد لكم عمالاً من الخارج، إذ لايجوز لليمني أن يعمل فلا بد أن يمنح لقب شيخ ويقعد في بيته ويترك العمالة للهنود والتايلانديين. قال لي: نعم ستحقق هذه الثورة الوحدة والاستقرار بدليل دولة صعدة الشعبية التي فرضت سيطرتها وسيادتها على أراضيها، وعينت تاجراً للسلاح محافظاً لها. وحتى يكتمل المشهد اتفق علي محسن الأحمر والحوثيون على تسوية الوضع هناك وفق مصالحهم..
أليس هذه الثورة التي يقودها علي محسن الأحمر وحميد الأحمر ومن ورائهم الشارع والاعتصامات، هي التي تقرر الآن النظام الذي يقوم والنظام الذي يسقط.. أليس مايجري في حضرموت وعدن وأبين هو خلط مابين الثورة الوطنية والتمرد..
وأضاف قائلاً: لم أكن أتوقع أن ينضم أساتذة علم السياسة والاجتماع وعلم النفس إلى جماعة الإرهاب الفكري والتخويف التي تشنها هذه الجماعات، وآخرها تلك الحادثة التي تعرضت لها مجموعة من الصحفيات والناشطات الحقوقيات داخل ساحة الاعتصام في ميدان جامعة صنعاء.. والمشكلة ليس في هؤلاء، فنحن نعرفهم ونعرف أفكارهم، وإنما تكمن في قادة أحزاب اليسار وأساتذة الجامعة ورجال الدين الذين منحوا الثوار براءة اختراع فكل هؤلاء التزموا الصمت خوفاً من بأس هذه الجماعات التي سيطرت على اللجان الأمنية ولجنة جمع الأموال والإعلام، فهي تزداد ضراوة وانتشاراً..
وقفت أمامه كالتلميذ أصغي إليه وهو يتابع حديثه قائلاً: لقد كرّم النظام الحالي جميلة علي رجاء وعينها دبلوماسية لأكثر من عشرين عاماً وجعلها سيدة مجتمع، فأبت إلا أن تذهب لتنضم إلى هذه الجماعات التي كرمتها بالضرب والألفاظ البذيئة.. فهل تكفي هذه الحادثة لأن يصحو صوت العقل لدى النخب وأن تتنادى بأن الأوان قد آن كي نغير جميعاً مابأنفسنا حتى نتمكن من تغيير اليمن إلى الأفضل؟ نعتصم جميعاً بقيم الوطنية التي تملي على الجميع أسلوباً جديداً في التعامل مع الصالح الوطني العام, يرفض الغش والرشوة والكذب، ويؤكد احترام حكم القانون وضمانات حرية الرأي والتعبير.
وأخيراً أريد أن أسألك سؤالاً: مانوع الدولة التي تريدونها في ساحة التغيير, هل هي الدولة القومية التي ينشدها الناصريون والبعثيون كل بطريقته, أم الدولة الدينية التي تحمل في طياتها النعرات المذهبية، أم الدولة المدنية التي تركز على بناء النفس والذات؟ وأنا بدوري أترك الإجابة للقراء الكرام.