صنعاء نيوز/ الدكتور عادل عامر - الدكتور عادل عامر
إن المسئولية المجتمعية وفقاً لتعريف البنك الدولي هي التزام أصحاب النشاطات التجارية بالمساهمة فى التنمية المستدامة من خلال العمل مع موظفيهم وعائلاتهم ومجتمعهم المحلى لتحسين مستوى معيشة الناس بأسلوب يخدم التجارة والتنمية فى آن واحد، فهى إذاً التزام أدبى، بالإضافة إلى أنها جزء من مناخ الاستثمار ومقياس لنجاح المستثمر أو رجل الأعمال، وهو ما يقوم به بشكل كبير رجال الأعمال فى مصر، تحديداً من خلال جمعيات ومؤسسات المجتمع المدنى المملوكة لهم، أو من خلال التبرع لصندوق تحيا مصر، أو أى من مبادرات المجتمع المدني.
والحقيقة أن المسئولية المجتمعية وإن كانت أدبية كما ذكرنا، إلا أنها إلتزام، وأحد معايير نجاح المستثمر، فكلما ارتفعت المساهمة المجتمعية ارتفعت مؤشرات التنمية وتحسنت مستوى المعيشة، وهو ما ينعكس على السوق بالجودة والانتعاش وزيادة الطلب.
إلا أن تلك المسئولية المجتمعية غير مقصورة على رجال الأعمال، وإنما هى مسئولية على كل فرد فى المجتمع، فالعامل أيضاً عليه مسئولية مجتمعية من خلال تبرعه بالعمل لساعات محددة فى إحدى المؤسسات غير الهادفة للربح أو فى المدارس، كما أن الإعلامى والصحفى أيضاً والذى يعمل على ابتزاز رجال الأعمال عاطفياً من خلال الحديث عن معاناة العمال والفقراء وتصديره مفاهيم خاطئة عن الاقتصاد والسوق والمسئولية المجتمعية تخدم توجهاته، متناسياً أن الإعلام الخاص هو إحدى المؤسسات الرأسمالية والمملوكة لرجال الأعمال الذى يهاجمهم، كما أنه نفس الصحفى والذى لا يتهاون فى الحصول على كامل أجره فى أحلك الظروف، ولا يبالى بالأوضاع الاقتصادية وأحوال الفقراء والعمال. إلخ. هو أيضاً عليه التزام بمسئولية مجتمعية ووجب عليه التبرع والتنازل عن جزء من أجره والكف عن المتاجرة بأحوال الناس.
إن المسئولية المجتمعية لا تقف عند حد التبرع للفقراء أو مساعدة أصحاب الشركات للعاملين لديهم، وإنما أساس المسئولية المجتمعية هى التنمية والتى لا تأتى إلا عبر التلاحم حول قضايا ومشاكل محددة وحلها، والتى تتنوع بين الحفاظ على البيئة، التغيرات المناخية، حقوق الإنسان، الأعمال الخيرية، وعلاقات العمال، وجودة التعليم والأداء المالى للشركة والحوكمة.
تجدر الإشارة إلى أن شركة إنتل على سبيل المثال قامت بصرف مليار دولار خلال الفترة من 2000 وحتى 2010 لتحسين التعليم فى العالم، بالإضافة إلى مبادرة التعليم من أجل الابتكار، بالتعاون مع الرئيس الأمريكى بإجمالى تكلفة تبلغ 200 مليون دولار لتحسين مقررات الرياضيات والعلوم فى النظام التعليمى بالولايات المتحدة الأمريكية، كما قامت خلال الفترة من 2010/2008 بإصدار منتجات أقل استخداما للطاقة الكهربائية من أجل الحفاظ على البيئة،
حيث تعتبر الشركة أكبر متبرع لاستهلاك الطاقة النظيفة فى الولايات المتحدة الأمريكية. فهل لدينا رجال أعمال ومسئولية اجتماعية فى مصر؟! لقد أكدت النظريات الاقتصادية منذ عهد رواد علم الاقتصاد الحديث إلى يومنا هذا على أنه يجب على رجال الأعمال أن يكونوا ملتزمين أخلاقيا تجاه أفراد مجتمعهم أثناء أداء نشاطاتهم الاقتصادية، لأنهم جزء من هذا المجتمع، وليسوا كيانا مستقلا منفصلا عنه «إذ تكمن أسباب وجود واستمرار رجال الأعمال في المجتمع، الذي هو مصدر عوامل الإنتاج، بما فيها الموارد الطبيعية والعمالة والخدمات اللازمة، وهو في الوقت نفسه المستوعب لمنتجات تلك الأنشطة من السلع والخدمات».
لقد قدّمت الحكومة كل التسهيلات إلى رجال الأعمال ومكّنتهم وسهّلت لهم استغلال عوامل الإنتاج الاجتماعية، التي تعينهم على تحقيق أهدافهم الاقتصادية وتحقيقهم العوائد المجزية، وهي تتوقع منهم في المقابل أن يساهموا في تنمية مجتمعاتهم عن طريق خلق الوظائف وتطوير الموظفين الذين يعملون معهم لتحقيق الكفاية الاقتصادية لهم والتي تعينهم على خلق أسر منتجة ومؤهلة. ولكن ذلك جعل رجال الأعمال يعرضون رواتب ضعيفة للموظفين في سوق العمل، ويلقون باحتياجات موظفيهم من الكفاية الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية على برامج اجتماعية تطرحها الدولة، أو من خلال جمعيات خيرية تعتمد على تبرعات أفراد المجتمع.
يجب على كل رجل أعمال أن يبدأ بالاهتمام بموظفيه الذين يعملون معه ويطرح عليهم برامج اجتماعية، يردون من خلالها جزءا من مساهمات موظفيهم في نجاحهم وتراكم ثروتهم، ومنها: برامج تقاعد الموظفين، برامج التعليم الأساسي وبرامج المنح الدراسية للمتفوقين من أبناء الموظفين، برامج العناية الطبية الطارئة، برامج دعم المشاريع الصغيرة، وبرامج عديدة أخرى يمكن تقديمها. ويجب أن يقوم المجتمع بتقييم شركات رجال الأعمال بمقدار ما تقدمه للمجتمع من خدمات وأن يوثق ذلك في كتاب سنوي خاص بالمسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال.
مفهوم المسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال ليس غريباً عن المجتمع السوري. فقد وجد وما يزال موجوداً بهذا الشكل أو ذاك من خلال العمل الخيري في الجمعيات الأهلية والمدارس و المشافي والمستوصفات وغيرها من الأنشطة والأعمال التي قام بها أو شارك فيها رجال أعمال معروفون نكن لهم جزيل التقدير والاحترام ..
ان ممارسة المسؤولية الاجتماعية من قبل رجال الأعمال السوريين التي انحصرت بالأشكال التي تمت وسبق ذكرها كانت نتيجة وعي متقدم لنخبة منهم وليس جميعهم بسبب ضعف وجود ثقافة المسؤولية الاجتماعية بمفهومها الحديث لدى معظمهم من ناحية وعدم وجود شكل تنظيمي ومؤسساتي لها من ناحية أخرى ، الأمر الذي حال دون نقلها بشكل عام من الجهد الفردي الموزع إلى جهد جماعي منظم .
لقد تطور مفهوم المسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال خلال العقود الماضية ولم يعد محصوراً بالعمل الخيري فقط ، بل توسع ليشمل أموراً أكثر و أوسع . ففي أواخر القرن الماضي أطلقت الأمم المتحدة مبادرة بشأن المسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال حددت فكرة المشاركة بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتحقيق تنمية المجتمعات.
وقد عرّف البنك الدولي المسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال بأنها التزام أصحاب النشاطات التجارية بالمشاركة في التنمية المستدامة من خلال العمل مع موظفيهم وعائلاتهم والمجتمع المحلي لتحسين ظروف معيشة الناس بأسلوب يخدم الاقتصاد والتنمية في آن واحد. كما عَرَفَّت الغرفة التجارية العالمية المسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال على أنها جميع المحاولات التي تسهم في تطوعهم لتحقيق تنمية أخلاقية واجتماعية. وعليه فإن المسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال هي مسؤولية إرادية ترتبط بالحقوق والواجبات للتعامل مع الاحتياجات والمشاكل الاجتماعية لتحقيق التنمية . أدت الأزمة التي تعيشها سورية منذ 7 سنوات إلى بروز واتساع العديد من المظاهر السلبية في المجتمع السوري سواء التي كانت موجودة قديماً أو التي نشأت واتسعت بفعل هذه الأزمة ، إلا أنها في ذات الوقت أبرزت ، وان بشكل أقل وبسبب الظروف السائدة ، العديد من المزايا الخيرة في هذا المجتمع من تكاتف اجتماعي وتعاون ومساعدة ومشاركة في معالجة ما يمكن من آثار هذه الأزمة ومظاهرها على معظم شرائح المجتمع .
ان ارتفاع الأعباء المادية لمعالجة آثار هذه الأزمة وضخامة التحديات الاجتماعية لمواجهتها بسرعة وفعالية من قبل الجهات الحكومية المعنية ، تبرز أهمية دور المسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال في المشاركة في هذه الجهود وبشكل خاص ما يتعلق بتنمية المجتمع المحلى والإسهام في خلق المزيد من فرص العمل وتحسين سبل العيش ودعم مشاريع رواد الأعمال الشباب وربات البيوت ومؤازرة الجهود الحكومية في هذه المجالات.
وحتى يستفيد المجتمع بالشكل الأفضل والمطلوب من المسؤولية الاجتماعية لرجال الأعمال ، من الضروري إيجاد شكل من أشكال التنسيق المشترك ( فريق عمل أو لجنة تنسيق …) بين ممثلي رجال الأعمال والجهات العامة والأهلية لتحديد المجالات التي يمكن لأصحاب الأعمال المشاركة فيها وأولوياتها وتحديد البرنامج الزمني لتنفيذها في ضوء احتياجات المجتمع بحيث يصبح العطاء من أجل التنمية جزأً لا يتجزأ من أنشطة رجال الأعمال.
أخيراً لابد من التأكيد بأن مطالبة رجال الأعمال بالقيام بمسؤوليتهم الاجتماعية تجاه المجتمع ينبغي أن تترافق أيضاً بمعالجة المشاكل التي تواجههم نتيجة الأزمة بشكل عادل وموضوعي لتمكينهم من أداء هذا الدور الهام ومن أجل تحقيق التوازن بين الواجبات والحقوق وحتى لا تكون هذه المسألة فرصة جديدة لتبادل الوعود وإسماع الكلام الطيب بين هذه الأطراف كما يحدث في معظم الحالات… |