صنعاء نيوز - 
من هنا أعتقد أن تقويم مسار العولمة العربية بما يساعد على إعادة ترتيب أوضاع المجتمعات العربية فيها وتحقيق قيم المساواة والحفاظ على فرص الاندماج الاجتماعي

الإثنين, 18-يوليو-2022
صنعاء نيوز/ بقلم: عمر دغوغي الإدريسي -


بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية. [email protected] https://web.facebook.com/omar.dghoughi.idrissi

من هنا أعتقد أن تقويم مسار العولمة العربية بما يساعد على إعادة ترتيب أوضاع المجتمعات العربية فيها وتحقيق قيم المساواة والحفاظ على فرص الاندماج الاجتماعي والوطني والحد من نزوع النخب المحلية إلى الاستئثار بالثروة الوطنية على حساب الأغلبية الاجتماعية يستدعي قبل أي شيء آخر تكوين الفاعلين الاجتماعيين على جميع المستويات : المستوى الإقليمي، والمستوى الوطني والمستوى المحلي والقطاعي. ويستدعي هذا بلورة برنامج للعولمة العربية يستند إلى خمس محاور رئيسية: تعزيز الديمقراطية وتأسيس الفكرة الإقليمية للتغلب على تجزئة الأسواق الوطنية، والاندراج في الثورة العلمية التقنية وتحديد أهداف التنمية الإنسانية وإعادة بناء الذاتية الفاعلة فالعمل على مستوى التكتلات الإقليمية لم يعد اليوم مسألة استجابة لنزعة أو لمطالب قومية.
لقد أصبح شرطا رئيسيا من شروط الاندراج الناجع في الثورة العلمية والتقنية والمشاركة فيها بما يساهم في رفع كفاءة القوى البشرية والمؤسسات والمجتمعات العربية، ويضاعف قدرتها على تحقيق التنمية الإنسانية المنتظرة والمطلوبة.
فهو مرتبط بشكل مباشر بتأمين شروط التنمية الاقتصادية والاجتماعية في سياق العولمة الراهنة التي سحبت البساط من تحت أقدام الرأسماليات الوطنية، سواء أكانت رأسمالية دولة أو رأسماليات ليبرالية.
ولا ترتبط هذه الشروط بالشروط الاقتصادية والمادية فحسب، بما يعنيه ذلك من ضرورة تجاوز التبعثر الراهن في الموارد والأسواق والمصالح، ولكنها ترتبط أيضا بتأمين الشروط السياسية والجيوستراتيجية.
فلا يمكن ضمان الاستقرار واستتباب الأمن والسلام من دون التوصل إلى تسويات نهائية بين مجموعة الدول المكونة للإقليم، والخروج من دوامة الحروب والنزاعات المدمرة للطاقات والموارد والمنفرة للاستثمار والمحبطة للجهد والجاذبة للعقول الحية والمبدعة ويعتمد الاستقرار الداخلي لكل قطر إلى حد كبير على الاستقرار الإقليمي ولا يمكن أن يتحقق من دونه.
وقد كان لمناخ الحرب المستمرة والتوتر الدائم دور كبير في إجهاض جهود العالم العربي الكبيرة التي بذلها في نصف القرن الماضي من أجل الخروج من التأخر الاقتصادي والاجتماعي وإطلاق عملية تحديث جدية لمؤسساتها الاجتماعية والسياسية والثقافية وكل ما تعاني منه المجتمعات العربية اليوم من انعدام الأمن القومي والوطني وضعف وثائر النمو الاقتصادي وتفكك اللحمة الوطنية والقطيعة الثقافية وما تحمله من أزمة هوية يعود في جزء كبير منه إلى غياب بيئة إقليمية تتمتع بالحد الأدنى من الاستقرار والثبات ويطرح موضوع التكتل الإقليمي مسألة الخروج من حالة التبعثر والتقوقع الوطني المتجاوز والمتحول إلى حجاب للمصالح الفئوية الصغيرة، آما يطرح مسألة التخلص من مناخ الحرب الداخلية وتجنب الحرب الحضارية، في سبيل إعادة الحوار مع الدول والمجتمعات الأخرى.
ويطرح كذلك مسألة الاستفادة من هذا الحوار في سبيل تحقيق التسوية العادلة في الحرب العربية الإسرائيلية التي تمكننا من إقامة السلام الدائم والانتهاء من قرن كامل من الدمار المادي والمعنوي.
ولن تكون هناك إمكانية لإدخال المنطقة بأكملها في دورة الإنتاج والإبداع العالمية المرتبطة بتطور الثورة العلمية التقنية من دون إعادة بناء النظام الإقليمي، سواء أحصل ذلك من خلال إعادة هيكلة الجامعة العربية أو من خلال إنشاء هيئة إقليمية جديدة تتجاوز حدود الدائرة العربية وتشمل بلدانا أخرى غير عربية ولن تكون هناك إمكانية للاستفادة من العولمة على المستوى الوطني القطري من دون إعادة بناء الدولة بما يجعل منها من جديد حاملا لإرادة جماعية ويحررها من استلابها لشبكة المصالح الخاصة التي تسيطر عليها.
وتشكل الديمقراطية في هذا المجال الوسيلة الوحيدة لنزع الطابع الخصوصي عن الدولة وإعادة إلحاقها بإرادة جمعية ولصالح بناء هذه الإرادة أيضا ولا يساعد تعزيز الديمقراطية على ربط المجتمعات العالمية بالتاريخية الكونية ويدمجها في ثقافة عصرها وسياسته فحسب، ولكنه يقدم الوسائل الوحيدة الكفيلة بملء الفراغ الذي يخلفه انحسار الدولة الوطنية والخروج من أفقها الايديولوجي والسياسي.
وإذا لم نشأ أن يكون البديل لأزمة الدولة والإيديولوجية الوطنية التمزق والفوضى والاقتتال وتبعثر الجماعة السياسية، فليس هناك بديل من الانتقال من مفهوم الدولة الوطنية إلى منظور الدولة القانونية.
ويكمن تفوق هذا المنظور في أن الولاء لدولة القانون هو ولاء للقانون نفسه وأساس بناء مواطنية مفتوحة على آل الأفراد المقيمين في ظل الدولة ولا يحتاج إلى بلورة عقائد وتضامنا إتنية وأقوامي تتعارض مع انتشار الفردية والنزوع العميق نحو المزيد من التعددية السياسية والاجتماعية والثقافية وتعميق مفهوم الدولة القانونية في النظرية والممارسة هو الذي يسمح بأن تكون العولمة رديفا للديمقراطية بدل أن تكون مصدرا للحرب والهيمنة والوصاية الأجنبية آما هي اليوم.
والانتقال من الدولة الوطنية إلى الدولة القانونية هو السبيل إلى تعزيز المجتمع المدني وتمكينه من المبادرة والقيام بوظائف متزايدة، لا تعوض عن انحسار وظائف الدولة وتراجع دورها الاجتماعي فحسب، ولكنها تعيد تكوين الفرد والجماعة على أساس تنمية روح المبادرة والمسؤولية والتضامن والتعاون 29 الجمعي أيضا.
وفي الدول العربية يمر بناء الدولة القانونية عبر تفكيك الأجهزة الأمنية التي أصبحت العائق الرئيسي أمام تفتح حياة سياسية طبيعية.
لكن ربما كان المستوى الأهم الذي يعنينا هنا عند الحديث عن استثمار فرص العولمة من أجل تحقيق المساواة والاندماج الاجتماعي وعدم السماح للتحولات السريعة الجارية في تهميش الغالبية الاجتماعية، هو المستوى المحلي والقطاعي وتشكل العناية بالتنمية المحلية محورا رئيسيا من محاور مواجهة الآثار السلبية للتنمية وتتماشى مع ما يمثله نشوء المجتمع المدني وتطويره من رهانات تاريخية. وتفترض التنمية المحلية نشوء الفاعلين المحليين، سواء أكان ذلك على مستوى السلطات البلدية أو على مستوى الجمعيات الأهلية أو المنظمات القطاعية.
وعلى هذا المستوى يتجلى أآثر من أي مستوى آخر فقر المجتمعات العربية وانعدام وسائلها تجاه العولمة.
فالمجتمعات المحلية تفتقر افتقارا آليا للموارد المادية والبشرية، كما تفتقر للتواصل في ما بينها ومع العالم أيضا.
وتخضع المجتمعات المحلية خضوعا كاملا للتنظيمات البيروقراطية الرسمية، حتى أن الانتخابات البلدية لا تكاد تشكل رهانا مهما حتى بالنسبة لأحزاب المعارضة السياسية.
وفي العديد من البلدان العربية يتم تعيين رؤساء المحليات والبلديات مباشرة من قبل السلطة التنفيذية.
لكن في ما وراء السلطة المحلية وتفعيلها لتحويلها إلى موطن لفاعل اجتماعي قادر على العمل والتأثير والتواصل عبر الحدود مع العالم، اعتقد أن نموذج الحركة النسوية الذي تحدثت عنه في فقرة سابقة هو الذي يستحق التأمل العميق، في إطار البحث عن سياسات جديدة تستفيد من فرص العولمة.
فمن الواضح أن وجود أجندة واضحة في هذا المجال، والنجاح في توحيدها إلى حد كبير، بصرف النظر عن حدود الدول والثقافات، قد سمح بنشوء حركة نسوية قوية شكلت عامل ضغط جدي ليس على الحكومات فحسب، ولكن على الرأي العام أيضا، وساعدت على تعديل جذري أحيانا في وضعية المرأة القانونية وفي صورتها ووظيفتها الاجتماعية.
ويقدم هذا النموذج مثالا للاستغلال الناجع لفرص الانفتاح العالمي والتواصل عبر الحدود والتقارب في القيم والمعايير.
كما يبين ما ينطوي عليه الالتقاء بين حاجات التحول الداخلي والتحولات الديمقراطية الخارجية من قوة حقيقية ومن فرص لنمو قوى اجتماعية قادرة على ،أن تقدم حلولا أو مساهمات فعالة في إيجاد الحلول للعديد من المشاكل الاجتماعية.
والأمر يتعلق بقدرة قطاعات الرأي العام المختلفة على صوغ أجندة خاصة بها والتواصل عبر الحدود وإيجاد الوسائل للعمل المشترك من أجل تحقيق أهداف واضحة ومحددة.
وتأمين الوسائل والشروط والتأهيل الضروري لتحويل الأفراد المشتتين في القطاعات المختلفة إلى فاعلين في وسطهم وبيئتهم، وتمكينهم من بلورة مشروعهم الخاص كفاعلين جمعيين، وتحسسيهم بالفرص التي يقدمها التواصل في ما وراء الحدود الوطنية، هو ما ينبغي أن تعمل له وتساعد فيه المؤسسات التنموية الوطنية والإقليمية والدولية.
ويبدو لي أن النجاح في إعادة بناء المجتمع المحلي يتوقف على عاملين.
الأول هو بناء أسس التضامن بين الأفراد أنفسهم، في سياق تحلل القيم والتقاليد والثقافات، ثم بين قطاعات المجتمع المختلفة وعبر الحدود الوطنية وفي ما ورائها.
وهو موضوع لا يزال بحاجة إلى المزيد من البحث والتدقيق. فبناء هذه الأسس يتعارض آما يبدو مع الميل المتزايد الذي تنميه العولمة إلى الاهتمام بالمصير الفردي والمراهنة على الخلاص الفردي.
وهو الميل الذي يفسر تزايد مخاطر خيانة النخب عموما والاستعداد إلى التضحية بالفئات الاجتماعية الضعيفة وعدم العناية بمستقبلها ومصيرها من قبل النظم والفئات الغنية، الرسمية وغير الرسمية معا.
وهذا ما يفسر نجاح الحركات الدينية التي تعتمد على تعبئة عاطفة الأخوة العقدية ونجاحها في ملء الفراغ الذي تتركه السياسة، أي الدولة والنخب الحديثة. ولا شك أن تشجيع التفاعل بين الأفراد والجماعات داخل الفضاءات الوطنية وعبر الحدود أيضا، وتعزيز فرص قيام تجارب نوعية مشتركة، باستغلال فرص التواصل التي تقدمها العولمة، سوف يساعد على إعادة بناء شبكات التضامن الإنسانية الممزقة، ويمهد لنشوء لحمة اجتماعية تخلف اللحمة الوطنية التي أصبحت على مستوى الممارسة اليومية ذكرى من الماضي، وربما في انبثاق أخلاقيات جديدة لعصر العولمة، إنسانية ومشتركة معا، آما هو الحال بالنسبة للحركة النسوية، ويساهم في بلورة مشاريع عمل جماعية لقطاعات مختلفة من الرأي العام.
وما قامت به الحركة النسوية يمكن أن يقدم نموذجا ناجحا لسكان الأحياء العشوائية أو القصديرية التي تتكاثر من حول المدن العربية من دون أي أمل في المستقبل القريب... يتبع
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 02:27 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-84784.htm