صنعاء نيوز - يرستين النهمي

الخميس, 28-يوليو-2022
صنعاء نيوز/ يرستين النهمي -
تُعاني المرأة العربية ـ بدرجات مُتفاوتة ـ من الاضطهاد المُجتمعي،والظلم الأسري،والانتهاك القانوني؛ والعائد مرتكزًا على الثقافة الذكورية المهيمنة التي تبسط سيطرتها وإرادتها في كافةٍ المجالات،لتتخذ وتُطبق سياساتها التميزية ضد المرأة. فالقوانين والتشريعات الدستورية العربية ـ في الأغلب ـ تم تقنينها بأيدٍ ذكورية،يندر أن نجد ممثلات نسوية شاركن في التقنين،مما يجعل القوانين قاصرةً في حقوق المرأة ومجحفة في بعض النصوص.
سنتناول هُنا القوانين الأردنية واليمنية بعين المقارنة للكشف عن النتيجة الصادمة فيما بينهما،لنجد أن القوانين الأردنية انصفت المرأة،خلافًا للقوانين اليمنية التي صوغت الظلم ضد المرأة،وتمعنت في جعلها تابعًا للرجل،ولم تُحدد حقوقها بشفافية ووضوح إلا في مجالاتٍ محدودة جدًا.

التحرش الجنسي واللفظي:

تُعد ظاهرة التحرش من التهديدات التي تَقُض سكينة المرأة،وتسلبها الطمأنينة أثناء التنقل أو العمل،وتحل كالكابوس المُخيف الذي يُهدد استقلاليتها وحريتها،فهي مُعضلة تُعاني منها معظم المُجتمعات؛ ولكنها تمكنت من مُحاربتها عبر الجزاءات القانونية الرادعة،ما جعلها مُنحصرة ومستمرة في الدول التي لا تُحاربها ولا تُقنن العقوبات على مُرتكبيها.

وقد تمكنت الأردن من القضاء شبه الكُلي على هذه الظاهرة؛ نظرًا لتحريمها وتجريمها قانونيًا،فالمادة (305) من قانون الجرائم والعقوبات تعتبر التحرش سواءً كان جنسي أو لفظي مُحرمًا،وعقوبته السجن من شهرٍ إلى سنتين. وتُحدد المُدة تماشيًا مع حيثيات ومقتضيات جريمة التحرش،بحيث ينال كُل مُتحرشٍ الجزاء الرادع له،كما تنص المادة (306) من نفس القانون على:"كل من يعرض على شخص لم يبلغ الثامنة عشرة من العُمر ذكرًا أم أنثى،بسلوك مخل بالآداب العامة أو يوجه كلامًا بذيئًا له،يُعاقب بالسجن لمدة لا تزيد عن سنة أو غرامة من ثلاثين إلى مائتي دينار"،ويتضح من النص أنه مُتعلق فقط بالسلوكيات والكلمات المُسفهة،أمّا التحرش الجنسي فقد تصل العقوبة للسجن لمدة عامين. وتدعو النصوص القانونية مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحكومية وغير الحكومية المهتمة بحقوق المرأة والطفل،بتبني استراتيجيات وخطط محددة لها أهداف تتمثل في مكافحة التحرش،ووسائل وآليات تُمكنها من ذلك كرصد المُتحرشين،ونشر الوعي،وتتبع الضحايا والاعتناء بها وبدعمٍ حكومي،ويمتد عملها إلى وسائل التواصل الاجتماعية عبر شبكات ومنصات ومواقع عديدة،لإيقاع المُتحرشين الذين يأذون النساء في المُراسلاتِ ويجرحون مشاعرهن بألفاظهم البذيئة،وذلك عبر تقديم المرأة شكوى لهذه المنصات التي تفضحهم،أو تقديم الشكوى لأجهزة الشرطة إزاء المُتحرشين الذين يستخدمون الابتزاز في مراسلاتهم كوسيلة لإرغام الضحايا على فعل شيئًا ما.
يتم مُحاربة التعسف في "قانون العمل" الذي يُمارسه أصحاب العمل ضد العاملات،لأجل القضاء عليه ومنع حدوث أي تحرش ضدهن،وتنص المادة (29) على أن"للعامل الحق في ترك العمل دون سابق إنذار،مع الحفاظ على حقوقه القانونية في الخدمة،وما يترتب على ذلك من حقوق تعويضية عن الأضرار والأعطال،إذا تعدى صاحب العمل أو من ينوب عنه أثناء العمل على العامل" ليتيح لأي امرأة عاملة تتعرض للتحرش أن تترك العمل فورًا،ويحفظ لها حقوقها مع تعويضاتٍ إضافية،ويضمن عقوبات على صاحب العمل قد تصل إلى حد إغلاق المحل التجاري.

لم تحتوي القوانين اليمنية نصوصًا تُجرم وتُحرم التحرش الجنسي،وإنما تطرق قانون الجرائم والعقوبات في المواد (270_ 276) لجريمتي "هتك العرض" و"الفعل الفاضح المخل بالحياء"،حيث عرف "هتك العرض" بأنه "كل فعل يطال جسم الإنسان ويخدش الحياء يقع من شخص على آخر دون الزنا أو اللواط أو السحاق يُعتبر هتكًا للعرض"،وعرف "الفعل الفاضح المخل بالحياء"بأنه "كل فعل ينافي الآداب العامة،أو يخدش الحياء ومن ذلك التعري وكشف العورة المتعمد والقول والإشارة المخل بالحياء والمخل بالآداب"،للوهلة الأولى قد نظن من خلال المفهومين أنهما يُقصد بهما التحرش،والحقيقة أنهما جرائم تعريضية تندرج ضمن حدود المُنكشفات غير المضبوطة والمُقيدة بهتك العرض أو الفضيحة،مما يجعلهما فضفاضان وغير محددين للتحرش،ويمكن أخذ مدلوليهما من اعتبارين: الاعتبار الأول أن عقوبتهما مُخففة فهي حبس لمدة لا تتجاوز سنة أو غرامة بمقدار ثلاثة آلآف ريال بالنسبة لهتك العرض،وحبس لمدة ستة أشهر وغرامة لم يُحدد مقدارها بالنسبة للفعل الفاضح،مع ضرورة أن يحدثا علانية،مما يجعلهما مُنافيان لجريمة التحرش التي تحدث بعيدًا عن الأعين،ويفرض عقوبة على الضحية إذ قامت بالإبلاغ،وإن توفرت الأدلة فالجاني أي مرتكب الفعل بإمكانه التهرب عن العقوبة لبساطتها وتراخي اجراءاتها،والاعتبار الثاني هو وقوع العقوبة على الجاني والمجني عليه،مما يُدلل على أنهما لا يُقصد بهما التحرش،ومقصدهما هو العلاقات الشخصية،وهكذا تصبح النصوص مجردة من معانيها،وتتحول لمضايقة الناس وقمع حُرياتهم في الحياة السعيدة؛ ومن جانب آخر فالعقوبة تقع على المرأة وقد ينجو الرجل؛ بحجة أنها المخالفة للآداب وليس الرجل.
يتبين أن التحرش لا نصوص تجريمية تُقننهُ،وما النص على الهتك إلا في حدود الجنايات،والفضائح في حدود الأعراض،وكليهما جرائم تعريضية تتسبب في إيذاء المرأة أكثر من حمايتها؛ كون العادات والتقاليد تلعب دورًا كبيرًا فيها،قد تدفع الأُسر لقتل بناتهم حتى يخفوا الفضيحة والعار كما يعتقدوا.

العنف الأسري

في العام 2008 أصدرت الأردن قانون الحماية من العنف الأسري،رافقه إنشاء إدارة حماية الأسرة لتتلقى الشكاوى التي تتعرض لها المرأة بخصوص العنف من أقاربها،ليلزم القانون العاملون في المستشفيات والمراكز التعليمية وأي شخصٍ يلاحظ عنفًا أسريًا،الإبلاغ عنه للإدارة،وقد أقر القانون عقوبات تصل إلى السجن لمدة سنة كاملة أو غرامات مالية،للحفاظ على سلامة الضحية المعنفة في حالة كانت الجُنحة تقتضي السجن،غير ذلك فإنه إما أن يتم إيواء الضحية في مركز إيوائي أو إصدار حكم مُقتضاه إبعاد المُعنِف عن المنزل مع ضمان عدم اقترابه منه. وهذا القانون يحفظ للمرأة كرامتها ويفرض على أهلها احترامها وعدم إهانتها متى شاؤوا،ويساويها مع الذكور ويمنعهم من الاعتراض لها بالضرب أو الشتم أو التقبيح بدون وجه حق،كما أنه يحد من السلطة الأبوية التي تُفضل البنين على البنات وتنظر إليهُن كمجرد عالةٍ أسرية.

لا توجد نصوص يمنية مماثلة للأردنية تحفظ حق المرأة في الحياة وحريتها،وما يوجد مجرد نصوص مضادة ومنتهكة لحقوق المرأة،مثلاً تنص المادة (6) في قانون الأحوال الشخصية أن المرأة مجرد تابعًا للرجل بمجرد الزواج منه وليس لها حقوق ولا يُعترف إلا بحقوق الزوج كما أن عليها الالتزام بواجباتها تجاهه،ناهيك عن نصوص أخرى كالمادة(16) من نفس القانون،والتي تنص على أن ولي أمر الأمر صاحب الحق في تحديد مصيرها باختيار الزوج لها،فالمرأة البكر يُعتبر سكوتها عند اخبارها علامة الرضا،والأمر يعود لولي أمرها في قبول المتقدم لها من عدمه،وهذا خطأ فادح عندما يتم اعتبار السكوت علامةً للرضا لأن احتمالية عدم موافقتها كبيرة جدًا،ولا تستطيع النطق بما تريد؛ نظرًا للعادات والتقاليد الموروثة التي تلزمها الصمت وتجعلها في حالة خوفٍ مستمرة. والمادة (15) تفرض تزويج الصغيرة دون أخذ موافقتها،والنص يُخالف العقل والمنطق والمواثيق الدولية والشريعة الإسلامية؛ باعتباره يُقنن ويسمح بزواج القاصرات ويحرمهن من حقوقهن وطفولتهن وتعليمهن..إلخ.

العدالة القانونية

تتساوى شهادة المرأة الأردنية مع الرجل أمام المحاكم الجزائية والإدارية،وتكون نصف شهادة أمام محاكم الأحوال الشخصية فقط .

تُعتبر شهادة المرأة اليمنية نصف شهادة،مع عدم قبولها البتة أحيانًا،فالمادة (30) في قانون الأدلة تنص على عدم قبول شهادة المرأة في حالة قضايا الجُنحة،والمادة (45) لا تقبلها كذلك في حالات الزنى..

المُشاركة السياسية

تنص المادة السادسة في الدستور الأردني أن جميع المواطنين متساون في الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية،هذه المساواة مكنت المرأة من المشاركة السياسية،فهي تُمثل في البرلمان بنسبةٍ تتجاوز 15% وتُشارك في صنع القرارات السلطوية،وتترأس أدوارًا كبيرة في اتخاذ القرارات على المستوى الداخلي والخارجي،فهناك نساء يترأسن حقائب وزارية مهمة،ومنهن دبلوماسيات وسفيرات يُمثلن الأردن في دولٍ مُتعددة.
فالمنظمات والجمعيات والهيئات النسوية تُشارك في وضع القوانين،من خلال الدراسات والخطط التي تُنفذها النسويات عبر اللجان القانونية والتنفيذية التابعة لهن..ففي قانون الانتخابات تم إعطاء المرأة نسبة مُحددة تسمى "بالكوتا النسائية" تُقارب حدود 30% في البرلمان.
وقد أعطيت المرأة الأردنية حرية كبيرة ومنحت حقوقًا مُتساوية مع الرجل في مجال التعليم والصحة والرعاية والعمل والأسرة والرأي والتعبير والفكر والتنقل،مما رفع درجة الوعي لها وجعلها ذات فعالية كبيرة في المجتمع وفي مؤسسات الدولة،فهي تُمثل نسبة 25% في السلك القضائي أي أن ربع القضاة الأردنيين من النساء.

ينص الدستور اليمني في المادة (41) على أن "جميع المواطنين متساون في الحقوق والواجبات العامة"،والمادة (42) تنص على "ِأن لكل مواطن حق الاسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتكفل الدولة حرية الفكر والإعراب والرأي والقول في حدود القانون"،نلاحظ أنها وضعت في حدود القانون،والقانون يحد من حرية المرأة وحقوقها،وبغض النظر عن ذلك فالعادات والتقاليد الموروثة تُحارب وتمنع مُشاركة المرأة باعتبارها "ناقصة عقل" وغير صالحة للمشاركة في اتخاذ القرارات. وإن نحن نظرنا إلى تمثيل المرأة في البرلمان فلن نجد فيه أي امرأة،والحكومات سنجد على الأكثر حقيبتين على الأكثر ولا أهمية لهن،وصوتان ضمن ثلاثون صوت لن يُغير من استراتيجية وخطط الحكومة في شيء،وما يستوجبه المنطق هو أن يكون للمرأة اليمنية حق "الكوتا النسائية" كي تتمكن من ضمان مُشاركتها سياسيًا واقتصاديًا.
دارت حوارات مُتعددة حول كيفية تطبيق أي "كوتا نسائية" في ظل العادات والتقاليد الموروثة،والتكوينات القبلية والحزبية الحالية،الأمر بسيطُ للغاية..ويتمثل في السماح للنساء في التنظيم الحزبي،وفرض استراتيجية تكون فيها الانتخابات عبر القوائم المُتعددة بحيث يضع كُل حزبٍ عدد معين من النساء في قوائمه،هذا في حالة لم تنجح الأحزاب النسوية.
كان ذلك في مجال التمكين السياسي،الذي تبين أنه المرأة غائبة عنه بشكلٍ مُخزي،أما في مجال الاستقلال الاقتصادي فلازالت المرأة مرتبطة بالذكور بشكلٍ كبير،فهي لم تُمنح بعد الاستقلالية الكاملة في حق التصرف والتملك المنقول والثابت،وما تتمتع بهِ حاليًا تسطو عليها الأيادي الذكورية؛ بحجة حمايتها والحفاظ عليها كون المرأة لا تستطيع إدارة ممتلاكاتها وصيانتها والحفاظ عليها.

كانت هذه مُقارنة بسيطة جدًا في القوانين اليمنية والأردنية،وتبين أن القوانين اليمنية بحاجةٍ إلى الصيانة والتعديل والإلغاء،باعتبارها تظلم المرأة وتنتقص منها وتعتبر من الدرجة الثانية،خصوصًا وأن المادة (42) من قانون العقوبات تنص على أن "دية المرأة نصف دية الرجل"،فالقانون اليمني لا يظلم المرأة فحسب،بل إنه ينتقص منها ويُشرعن من انتهاك حقوقها،ويُسهل للرجل النجاة من جرائمه حيال المرأة بطريقة أو بأخرى.
الخلاصة أن القوانين الأردنية رغم قصورها في نصوصٍ محددة،تُعتبر عادلة ومنصفة للمرأة وتسمح لها بحرية الحركة والمشاركة،عكس القوانين اليمنية التي تُقيد حرية المرأة بولي أمرها وتمنعها من الحيازة والاستقلالية حتى تظل تابعًا للرجل،وعصارة الحديث أن القوانين اليمنية بحاجة للدراسة والتفحص ـ خاصة قانون الأحوال الشخصية،وقانون العقوبات،وقانون الجنسية،لإعتبارهم الأشد قسوة ورهبةً وظلمًا للمرأة ـ على ضوء الشريعة الإسلامية والمواثيق والمعاهدات والاتفاقات الدولية.
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 27-سبتمبر-2024 الساعة: 06:14 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-84948.htm