صنعاء نيوز/ الدكتور عادل عامر - الدكتور عادل عامر
نشأت ظاهرة تهريب البشر عقب الحرب العالمية الثانية، ونشطت في الدول الفقيرة ذات الأعداد السكانية المتزايدة التي ترتفع بها معدلات الفقر كغالبية الدول الأفريقية، وبعض الدول الآسيوية، ودول أمريكا الجنوبية.
ويتم تهريب البشر إما بشكل فردي أو منظم، ففي التهريب الفردي يستخدم شخص أو مجموعة صغيرة قوارب التهريب مقابل مبالغ معينة أو الصعود والاختباء في السفن البحرية والتجارية دون علم إدارتها وملاحيها، أو يتسللون من خلال النقاط البرية التي تقل فيها نقاط ومراكز المراقبة من قبل حرس الحدود.
أما تهريب البشر المنظم فيتم من خلال عصابات منظمة مقابل مبالغ مالية عبر شبكات التهريب العالمية، حيث تستخدم عصابات التهريب الممرات البرية والبحرية التي لا تخضع للتفتيش والرقابة من قبل رجال الحدود مقابل مبالغ مالية دون تقديم ضمانات أمنية وصحية خلال رحلة التهريب
ويتعرض المهاجرون غير الشرعيين للغرق بسبب الأعداد الكبيرة التي تفوق حمولة المراكب، ويستغل المهربون الفرصة لابتزاز المهاجرين غير الشرعيين واستغلال الظروف الاقتصادية التي يعانون منها. ويرتبط تهريب المهاجرين ارتباطاً عضوياً بمسائل الجريمة المنظمة عبر الوطنية وإدارة الهجرة ومراقبة الحدود.
وقد تحولت الهجرة غير الشرعية منذ بداية التسعينيات وبشكل تدريجي إلى عمل منظم تشُرف عليه شبكات وتنظيمات مختلفة وتعمد في نطاق عملها إلى التحايل على القانون واختراقه بأقل الخسائر الممكنة، فقد تحرك الهجرة عوامل اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو دينية، وتُشكلها رغبة الأفراد بالبحث عن عمل أفضل أو فرصة أحسن للحياة.
وتشكل الهجرة غير المشروعة أخطر القضايا المجتمعية، التي تمس جميع شرائح المجتمع الدولي، بحيث أصبحت لا تقتصر على الشباب فقط، بل أصبحت تمس الأطفال وخاصة الأطفال الذين يتركون أوطانهم بدون ذويهم (الأطفال غير المصحوبين). لتهدد بذلك أمنهم وسلامتهم، وتعرضهم لكافة أنواع وصور الاستغلال.
تعد ظاهرة الهجرة غير الشرعية أحد أهم الظواهر التي تؤرق المجتمع الدولي، نتيجة الانتشار غير المسبوق لتلك الظاهرة مما استدعي أن يكون هناك حاجة ملحة لتفعيل القوانين الخاصة بتجريم الهجرة الغير شرعية والجرائم الملتحقة بها والتي تعد أهمها هي جريمة الإتجار بالبشر، على الرغم من التمييز الواضح بين الإتجار والتهريب أو الهجرة غير المشروعة إلا انه يمكن أن تتحول حالة الهجرة غير المشروعة إلى حالة إتجار بالبشر إذ أن المهاجرين الذين يتم استغلالهم في أي مرحلة من العملية يمكن أن يصبحوا ضحايا إتجار بالبشر.
وتعد الهجرة السرية أو غير القانونية أو غير النظامية والتي نطلق عليها هنا الهجرة غير المشروعة ظاهرة عالمية موجودة في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أو في الدول النامية بآسيا كدول الخليج ودول المشرق العربي، وفي أمريكا اللاتينية حيث أصبحت بعض الدول كالأرجنتين وفنزويلا والمكسيك تشكل قبلة لمهاجرين قادمين من دول مجاورة، وفي أفريقيا حيث الحدود الموروثة عن الاستعمار لا تشكل بالنسبة للقبائل المجاورة حواجز عازلة وخاصة في بعض الدول مثل ساحل العاج وأفريقيا الجنوبية ونيجيريا. ويعد تحديد حجم الهجرة غير المشروعة من الأمور شديدة التعقيد نظراً لطبيعتها، ولكون وضع المهاجر الغير شرعي يشتمل على أنواع مختلفة من المهاجرين مثل:
•الأفراد الذين يدخلون دولة الاستقبال بطريقة غير قانونية ولا يقوموا بتقنين وضعهم.
•الأفراد الذين يدخلون دول الاستقبال بطريقة قانونية ويمكثون هناك بعد انقضاء مدة الإقامة القانونية.
•الأشخاص الذين يعملون بطريقة غير قانونية خلال إقامة مسموح بها.
ومما سبق يتضح أن الهجرة عملية اختيارية يقوم بها الفرد بمحض إرادته لغرض معين (عمل، بحث عن مزايا معيشية أفضل، إقامة)
كما يوجد توع آخر من الهجرة وهي تلك التي تكون إجبارية في عدد من الحالات، وهي الحالات التي يكون فيها الفرد مضطراً لترك وطنه والنزوح إلى مكان آخر تحت تهديد (الحروب، الاضطهاد الديني أو السياسي) وهو ما يعرف بالتهجير القسري الذي يعني بالأساس إجبار مجموعة من السكان تقيم بصورة قانونية على أراضيها على الانتقال إلى منطقة أخرى ضمن الدولة نفسها أو خارجها بناء على منهجية وتخطيط وإشراف الدولة أو إحدى الجماعات التابعة لها بقصد التطهير
وتتعارض وتتضارب أعداد المهاجرين بطريقة غير مشروعة، حيث قدرت مثلا منظمة العمل الدولية ظاهرة الهجرة الغير مشروعة ما بين 10- 15% من عدد المهاجرين في العالم والذي وصل حسب تقرير البنك الدولي إلى 250 مليونا العام الماضي، وهو أعلى مستوى للهجرة على الإطلاق، حيث يبحث المهاجرون عن فرص اقتصادية أفضل. وقد أشار التقرير إلى أن البلدان النامية سريعة النمو أصبحت تشكل بصورة متزايدة مقصدا جاذبا للمهاجرين من أجزاء أخرى من بلدان العالم النامية
•الأشكال المتعارف عليها عالميا للهجرات غير المشروعة
تتعدد الأشكال والطرق والوسائل التي يلجأ إليها المهاجرون غير الشرعيين من الأفراد والجماعات للانتقال من بلد المصدر إلى بلد الاستقبال ويغلب استخدام سفن أو قوارب لنقل المجموعات من المهاجرين غير الشرعيين عبر البحار من بلد المنشأ وعادة ما تكون بلدان الوصول هي دول الجذب التي تقع علي سواحل البحار والمحيطات والخلجان مثل دول الاتحاد الأوروبي المطلة على البحر الأبيض المتوسط وأستراليا والولايات المتحدة الأمريكية ،
وتتم الهجرة غير المشروعة عن طريق البر تسللاً على شكل أفراد يتجاوزون خطوط الحدود الدولية بعيداً عن نقاط العبور سيرا على الأقدام أو حملا في السيارات المخصصة لنقل البضائع خاصةً إذا كان المهاجرون مجموعات وفي هذه الحالة تقوم هذه السيارات بعبور الحدود بعيدا عن معابر الدخول الرسمية وقد تحدث مناوشات واشتباكات بين تلك الجماعات وحرس الحدود ، وتشهد حدود المملكة العربية السعودية وخاصة الجنوبية منها، وحدود المغرب العربي ومصر وحدود الولايات المتحدة الأمريكية مع المكسيك مثل هذه الطرق من الهجرة غير المشروعة ، وقد تتم الهجرة غير المشروعة من قبل الأفراد من خلال تزوير وثائق السفر أو الأوراق الثبوتية وتأشيرات الدخول ، ويغلب هذا الأسلوب في الهجرة عن طريق الطيران ، كما قد يحاول بعض المسافرين الراغبين في الهجرة إلي طلب اللجوء إلي دولة الاستقبال عن طريق إتلاف أو إخفاء الأوراق الثبوتية لهم .
تتعدد دوافع وأسباب الهجرة الغير شرعية ما بين ، الأسباب الاقتصادية والنفسية والاجتماعية والسياسية، إلا أن هناك دائما ارتباط وثيق بين الأزمة المالية العالمية وقضية الهجرة الدولية، المشروعة أو غير المشروعة ، حيث أدت تلك الأزمة إلي تعطل ملايين الشباب عن العمل ليزداد العدد العالمي لهم خاصة في الدول النامية ولا شك أن كثرة من هؤلاء الشباب سيتجهون إلي حلول مختلفة ، لمواجهة ظاهرة التعطل عن العمل ،عن طريق الهجرة كأحد الحلول أمام اليائسين الذين يبحثون عن فرصة عمل في أي مكان وبأي ثمن يدفعونه حتى ولو كلفهم الأمر حياتهم.
ونستعرض هنا أهم تلك الدوافع والتي تأتي في مقدمتها: –
•الدوافع الاقتصادية
يعتبر البحث عن توفير حياة رغدة أهم الدوافع التي تؤدي إلي هجرة العديد من المواطنين أوطانهم خاصة في الدول التي تعاني أزمات اقتصادية إلي دول مستقرة اقتصاديا، لكسب الرزق وخاصة فئة الشباب المتعطل عن العمل الذي يسعى إلى تكوين الحياة الأسرية، في ظل تنامي معدلات البطالة ما يدفع بالكثيرين إلى البحث عن فرص عمل أفضل في مكان أو دول أخرى.
كما يمكن أن نقول أيضا أن أحد دوافع الهجرة هو افتقار الدول لخطط تنمية اقتصادية، نتيجة غياب الديمقراطية وانتشار الفساد، والجهل، والتطرف خاصة في بعض الدول بمنطقة شمال إفريقيا، والانهيار الاقتصادي والسياسي في بلدان جنوب الصحراء بأفريقيا، والطابع الشمولي الذي تتسم به حكومات تلك الدول وعدم احترام حقوق الإنسان وعدم الاستقرار السياسي ما أدي إلي فساد البنية الاقتصادية وجعل مستوي دخل الفرد في بعض الدول خاصة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا متدني لا يتوافق ومتطلبات الفرد الأساسية لاستمرار الحياة.
•الدوافع الديمغرافية
يعتبر الارتفاع المستمر في عدد السكان مع انخفاض معدلات الوفيات، أحد أسباب تقلص سوق العمل وعدم توافق الفرص المتاحة في سوق العمل مع مخرجات التعليم والتدريب، ما يدفع بالكثير إلى الهجرة سواء أكانت شرعية أم غير شرعية.
وتعد الزيادة المطردة في عدد السكان من أهم الأسباب الدافعة للهجرة، وتمتاز بعض الدول بهذه الخاصية وعلى رأسها جمهورية مصر العربية، حيث توجد بها وفرة في الموارد البشرية ومحدودية في استغلال الموارد الطبيعية والاقتصادية، وهذه الزيادة في عدد السكان لا تتناسب مع الموارد الاقتصادية المتاحة بما يمثل ذلك من إعاقة للتنمية الاقتصادية.
كما يعتبر تدني مستوى الأجور، بسبب قله فرص العمل وارتفاع عدد الراغبين في العمل مع فشل سياسات التشغيل والتوظيف، ما ينعكس على انخفاض الإنتاجية، والزيادة المستمرة المعيشية وارتفاع الأسعار أحد أهم العوامل الديمغرافية التي تؤدي إلي البحث عن الهجرة إلي الدول صاحبة المستوي المرتفع من الأجور، والتي توفر لسكانها وسائل معيشة جيده.
•الدوافع السياسية
شهدت نهاية القرن العشرين، ارتفاع حركة اللاجئين بصفة فردية أو جماعية جراء الحروب والصراعات الداخلية التي شهدتها العديد من مناطق العالم، وانتهاكات حقوق الإنسان بسبب انتماءاتهم العرقية أو الدينية أو السياسية، تعد أحد الأسباب الرئيسية لحركات الهجرة التي تجبر الأفراد على النزوح من المناطق غير الآمنة إلى أخرى أكثر أمنًا وهو ما يطلق عليه بالهجرة الاضطرارية أو اللجوء السياسي. وخير دليل على ذلك ما تشهده منطقة الشرق الأوسط في هذه الآونة، من الاضطرابات والصراعات المسلحة داخل بعض البلدان العربية (العراق، سوريا، ليبيا، اليمن)، وكلها أمور تزيد من ظاهرة الهجرة واللاجئين.
أيضًا بالإضافة إلى ذلك فهناك العوامل السياسية على المستوى المحلي الداخلي، ما يدفع بالأشخاص إلى الهجرة، حيث عدم الاستقرار السياسي في بعض البلدان النامية التي تضعف أو تنعدم فيها الحريات العامة (حرية الفكر، والتعبير عن الآراء)، ما يجبر العديد من أصحاب الكفاءات العلمية والمثقفين إلى ترك البلاد والبحث عن متنفس آخر للتعبير عن آرائهم بحرية.
•الدوافع الاجتماعية
يعد أحد أهم أسباب الهجرة غير المشروعة هم ضعف الروابط الاجتماعية والتفكك الأسري داخل الدولة المصدرة للمهاجرين، وكذلك التفرقة الطائفية والفئوية وعدم التوافق مع عادات وتقاليد البلد المصدر للهجرة غير المشروعة ووجود أقارب في البلد المستقبل للهجرة غير المشروعة.
بالإضافة إلي ارتفاع معدلات المشكلات الاجتماعية المتمثلة في الفقر والجوع والبطالة والأمراض….. الخ، مع الصورة الذهنية المترسخة عن النجاح الاجتماعي الذي يظهره المهاجر عند عودته إلى بلده لقضاء العطلة، حيث يتفانى في إبراز مظاهر الثراء
وذلك وسط حشد إعلامي واسع لتلك المظاهر سواء في الدراما التليفزيونية أو السينمائية، ما يؤدي إلي وقوع الكثيرة في براثن السعي خلف الهجرة غير المشروعة خاصة مع قيام بعض الأسر بالدفع بأبنائهم للهجرة عبر البحر دون مراعاة لما قد يحدث لهم من عواقب بهدف تحقيق حلم النجاح الاجتماعي للفرد والأسرة بأكملها.
•الدوافع النفسية للهجرة
يتأتى الدافع النفسي للهجرة من إحساس الفرد بالإحباط في محاولة الحياة بطريقة أفضل أو تحقيق ذاته من خلال العمل الذي يعمل به، أيضًا تمثل المعاناة التي يعيش فيها الشباب والتي تجعله يغامر بحياته في هجرة غير شرعية وهو مدرك الأخطار التي قد يتعرض لها أثناء الهجرة ناتجة عن الشعور بالاغتراب الداخلي وعدم القدرة على التكيف مع المجتمع المحيط به، وهو الأمر الذي يؤدي إلي الشعور بالإحباط والعزلة الاجتماعية ووهم أحلام اليقظة والتفكير اللاعقلاني وحب المغامرة مع ضعف الانتماء الأسري والمجتمعي نتيجة قصور في برامج التنشئة الاجتماعية وضعف مؤسساتها وأهمها الأسرة والمدرسة. |