صنعاء نيوز - الدولة الوحدة الأساسية في السياسية الدولية

العراق دولة ممزقة تفتقر للإرادة الوطنية

التهديدات والتحديات بعد الانسحاب الأمريكي

السبت, 14-مايو-2011
صنعاء نيوزد.مهند العزاوي* -



الدولة الوحدة الأساسية في السياسية الدولية

العراق دولة ممزقة تفتقر للإرادة الوطنية

التهديدات والتحديات بعد الانسحاب الأمريكي



روجت الإدارات الأمريكية مشروع " العراق الديمقراطي أنموذجاً للمنطقة" كمبرراً لغزو العراق, و تؤكد الحقائق عكس ذلك وانزلاق العراق من "نظرية الدولة" الى"الفوضى المطلقة" في العالم الرابع[1], ويعد هذا العالم بمثابة مقبرة للدول الممزقة والمقسمة والتي عصفت بها حروب النفط والنزاعات الأهلية وتفاقمت فيها ضحايا الحرب البشرية والمادية, وتتسم دوله بالفوضى الشاملة والنازفة , وفساد وتخلف الدولة والسلطة الحكومية,وتفتيت ديموغرافيتها, وتستخدم فيها المرتزقة بدلا من الطبقة الوسطى الوطنية, وشياع ظواهر المليشيات والإرهاب الوافد, وتعاظم النزاعات الطائفية والعرقية ومجازرها وتفاقم أعداد المهجرين والنازحين والمفقودين, وكذلك انتشار المافيا الدولية, وانهيار الخدمات الأساسية ومستلزمات العيش.

يقع العراق في خط الصدع الحضاري بين إيران وتركيا, ويعد دولة أساسية تشكل الهوية الحضارية للمنطقة, ويمثل أقدم حضارة بالتاريخ تعود الى 5000 سنة ق.م,وقد خلف تفكيك دولة العراق مفاصل لينة وفراغ سياسي مهد لصراع الإيديولوجيات الوافدة, خصوصا ان الصراع الحضاري الأكثر دموية مع الجار الفارسي الذي يوشح نفسه بالعباءة الدينية, ويركب بساط التشيع السياسي كمدخل لتصدير الثورة الإيرانية الى العراق والمنطقة,وقد استكمل مقومات القدرة العسكرية والنووية , وأزاح دولة العراق القوية, ويبحث اليوم عن رقع نفوذ جديدة بغية الوصول الى منصة التأثير السياسي في القرار الدولي, بعد احتضار النظام الرسمي العربي وتمزيق هويته الحضارية, وغياب بوصلته السياسية.

أصبح نموذج "العرقنة النازفة"[2] طازج للتطبيق في غالبية الدول العربية, فهو مربح إقليميا لإزاحة المحور الجيواستراتيجي العربي , ودوليا لترحيل الدول العربية وشعوبها الى العالم الرابع, وقد شكل العراق حتى عام 2003 قوة التوازن العربي الإقليمي ضمن النسق الدولي , وكاد ان يتسلق منصة العالم المتقدم لولا انزلاقه لفخ الكويت الاستراتيجي , والذي قاده للجيب المهلك , متمثلا بزوال القدرة العراقية وتحطيم دولته وتفتيت ديموغرافيته, وقد أصبح مسرحا لوثوب الإيديولوجيات الوافدة ومنظوماتها وأدواتها ليخضع لأبشع تجريف جيوبولتيكي, وبات منصة لانطلاق الفوضى النازفة, التي تفكك كيان العراق وتضعه في كنف العالم الرابع.

الدولة الوحدة الأساسية في السياسية الدولية

تشير الواقعية السياسية في ترتيب النسق الدولي وتوازن القوى الى تمسك العالم طيلة قرون بنظرية الدولة لان الدولة هي الوحدة الأساسية في السياسية الدولية, وهي الكيان المهيمن في الشؤون الدولية , وكونها استثمار حضاري وتراكم أنفاقي وهوية ثقافية , ويجب ان تحتكر الدولة القوة وتحقق الردع والأمن القومي وما يطلق عليه(الأمن والدفاع),وتمارس الدبلوماسية, وتتفاوض لعقد المعاهدات الدولية والاتفاقيات والتحالفات التي تضمن أمنها وحقوق شعبها ومصالح البلد العليا, وتمارس النفوذ الى حد كبير في تحديد السياسة التجارية والمالية والإنتاج الصناعي والزراعي,وتحقق العدالة الاجتماعية وفرض الأمن وسيادة القانون , وتامين الخدمات الأساسية وتحرص على تعزيز المواطنة وتترجم تطلعات الشعب بالمكانة والهوية الحضارية , وتلك ابرز مقومات "النظرية الدولاتية" وتعطي صورة أكثر واقعية عن عالم السياسة الدولية.

كان لانتهاء الحرب الباردة وتفكك الاتحاد السوفيتي اثر في ظهور قطبية العالم وفق نظرية "الدولة العالمية"[3] واعتناق عقيدة أحادية القوة وإلحاق الدول والمجتمعات وفق مفاهيم "نحن وهم,الخير والشر, عالم غربي حضاري وأخر متخلف, المركز والهامش, مناطق سلام وفوضى, مناطق خضراء وحمراء" وأصبحت الحروب سمة العصر, والقرصنة على ثروات الدول منهجية عامة, والاحتيال الدولي مسلكا , والتمدد الإقليمي والليبرالي على حساب الدول المتاخمة[4] انتهازية سياسية عابرة للقانون الدولي , وفق فلسفة جشع المصالح"العراق أنموذجا", على حساب موازين القوى والنسق الدولي, ان هذا التجسيد الإيديولوجي عبر مربع القوة والسياسية والاقتصاد والإعلام لتحقيق التأثير والإلحاق المجتمعي والثقافي والعسكري والمخابراتي والفكري وفق نظرية "بيع الدول", وبذلك يصنف العالم الى أول ورابع وكما نشهده اليوم.

العراق دولة ممزقة تفتقر للإرادة الوطنية

اصدر الحاكم المدني " برايمر" قرارات لتفكيك الدولة العراقية وقواتها المسلحة وبيع أصول الدولة للشركات الأجنبية[5], وكذلك قرار"اجتثاث الدولة" والذي يبدوا ظاهريا كعقاب سياسي في ظل صدمة الحرب والتفكيك السياسي, وبالواقع هو أفراغ مؤسساتي متعمد لاجتثاث الطبقة الوسطى والعلماء[6] وإدارة دولة ضعيفة ممزقة من قبل الشركات القابضة ومؤسساتها وتوظيف الجهلة المزورين وأنصاف المتعلمين والمرتزقة, ليضعوا العراق في ذيل قوائم التقييم العالمي.

يمكن وصف العراق بالدولة الممزقة والمحطمة والمقسمة الى دويلات, وتتسم حكوماتها[7] بالفوضى والتخلف وفساد السلطة الحكومية, وتتفاقم فيها النزاعات الطائفية والعرقية, إضافة الى 4ملايين مهجر و5مليون يتيم ومليون ونصف أرملة ومليون ونصف قتيل ومفقود كضحايا للاحتلال وللتطهير الطائفي والعرقي, وجيش من المليشيات ومليشيات في الجيش, وتفاقم الجريمة الدولية المنظمة والنهب والاحتيال, ناهيك عن النفوذ الإقليمي المدمر, مما يؤكد فراغ الدولة وتطبيق الإيديولوجيات الوافدة, واتساع دائرة التجريف الجيوبوليتيكي والاستنزاف المالي والبشري, والافتقار للعقيدة الوطنية والحياة الدستورية , وتعصف به تداعيات الاستقطاب الطائفي الذي يلغي ثقافة المواطنة والاصطفاف خلف الهوية الوطنية الحضارية,ولم ينضج حتى الآن جيل سياسي يتداول السلطة سلميا وحضاريا بشكل ديمقراطي ويؤسس لدولة المؤسسات , وقد انزلقت الأحزاب العراقية عبر التاريخ الحديث لسحر السلطة والشخصنة ونحر نظريتها السياسية مقابل المغانم الشخصية.

أكدت المطالب الشعبية على انسحاب القوات الأمريكية والنفوذ الإيراني من العراق, بالرغم من عدم جاهزية القوات المسلحة ووضوح عقيدتها وسلوكها, وأنفاق مليارات الدولارات على تجهيزها وتدريبها لم تتمكن من بسط الأمن لافتقارها لأبسط مقومات القوة والقدرة ومنها العقيدة العسكرية الوطنية – المهنية –الحرفية – الولاء –القيم العسكرية- التلاحم المجتمعي , مع شياع ظواهر التصفيات الجسدية والاعتقالات والتعذيب في السجون السرية والعلنية الحكومية , وتلك سمات أساسية لطوئفة القوة وتسييسها, ومليٌشة الدولة وتصدعها, حيث باتت المليشيات تخترق كافة مفاصل القوة وتلوح بين الحين والأخر بالنزول الى الشارع وإرهاب المجتمع من خلال حرب الكواتم والعبوات اللاصقة المعلومة المصدر, مما يدل على فوضى شاملة وغياب الدولة.

التهديدات والتحديات بعد الانسحاب الأمريكي

تسعى الولايات المتحدة الأمريكية الى توقيع اتفاقية مع الحكومة الحالية , لتضمن بقاء جزء من القوات العسكرية وجيش سياسي لحماية السفارة الأمريكية ,ومرتزقة من الشركات الأمنية العاملة في العراق, ولعل هلامية وطوئفة توصيف العدو الذي تبناه القوات الحالية لتبرير تجارة الأمن والسجون قد وسع من حجم التحديات والتهديدات الحالية والوشيكة والمحتملة, وتبرر أمريكا طلب البقاء بعدم جاهزية الدولة ومؤسساتها وقواتها المسلحة, والاضطراب السياسي والأمني المزمن, والتهديدات الخارجية , إذا ما جدوى البقاء والعراق حتى اليوم لا يمتلك قطعات عسكرية تؤمن صفحة الدفاع, ولم تساهم الولايات المتحدة في بناء قدرة العراق العسكرية , وفرض الأمن طيلة السنوات الماضية, ولم تعمل على وقف التجريف الجيوبوليتيكي المدمر للعراق, وسمحت للتمدد الإقليمي وتناسل المليشيات والمجاميع المسلحة المرتبطة بها, وتعاملت بازدواجية في معالجة المواقف والأزمات السياسية التي يمكن وصفها بالحماقة السياسية, ولو افترضنا سحب القوات الأمريكي سنقف أمام ملف التحديات وهي:

التهديدات الخارجية

1. النفوذ الإقليمي والتغلغل الإيراني
يعد النفوذ الإقليمي والتغلغل الإيراني في العراق تهديدا خارجيا , ويعد عنصر فوضى دموي في المشهد العراقي , ويسعى دوما للتجريف الجيوبوليتكي وتغيير المعادلة الوطنية العراقية سياسيا وعسكريا واقتصاديا وديموغرافيا وأيديولوجيا .

2. شركات الخدمات العسكرية الخاصة –المرتزقة
يعمل في العراق عدد كبير من المرتزقة التابعين لشركات الخدمات العسكرية الخاصة( المرتزقة) ويوجد مايقارب80 ألف متعهد أجنبي, ويقوم عدد كبير منهم بمهام عسكرية مخابراتية وآخرين يقومون بمهام قذرة تتعلق بالتفجيرات الإرهابية التي تطال المدنيين ومهام الإرهاب السياسي الاغتيال والاختطاف.

3. دوائر المخابرات الأجنبية والإقليمية
يعمل في العراق ما يقارب 38 جهاز مخابرات أجنبي ,وعلى شكل واجهات وشركات .

4. عصابات الجريمة المنظمة الدولية وشركات غسيل الأموال التابعة لها.
5. الابتزاز الاقتصادي الدولي عبر الديون والفوائد والقروض والتعويضات.
6. التجريف الجيوبوليتكي المنظم لكيان العراق.


التحديات الداخلية

1. الملفات الساخنة –المعتقلين وتجارة السجون –الأرامل-الأيتام-المفقودين-المهجرين والنازحين العراقيين - الرعاية الاجتماعية والصحية -التربية والتعليم- الادخار- البطالة – الجوع- التنمية .
2. العنف –التفجيرات –التصفية الجسدية – الاختطاف- التغييب القسري- التعذيب –الاغتصاب- الاعتراف بالإكراه – الإعدام خارج القانون
3. الفساد المالي والإداري والسياسي والمهني والجنائي والمعلوماتي والفكري .
4. غياب العقيدة السياسية والعسكرية الوطنية وسيادة الفوضى المؤسساتية.
5. خصخصة مؤسسات وموارد وثروات الدولة للأحزاب –المحاصصة الحزبية "إقطاعيات سياسية" احتكار( السلطة ,المال ,الثيوقراطية ,المليشيات).
6. غياب المرتكزات الديمقراطية السياسية كدولة أساسية حضارية متحضرة.
7. اندثار منظومة القيم الوطنية وضبابية شكل الدولة ومنظومة المصالح العليا.
8. غياب القدرة العسكرية العراقية التي تشكل العمود الفقري للدفاع والدولة.
9. الخدمات الأساسية للمواطن والبنى التحتية والتنمية لمؤسسات الدولة.
10. منظومة القوانين والتشريعات الغير متجانسة والتي لا تتسق مع الإرادة الجماهيرية وأبرزها فقرات الدستور ومكافحة الإرهاب والاجتثاث العلمي والمهني .
11. حرية الرأي والفكر والحريات العامة.
12. غياب العدالة وشياع انتهاكات حقوق الإنسان والمواطنة , وتعطيل الحقوق والحريات الدستورية من قبل المؤسسات التنفيذية.
13. هجرة وتصفية الطبقة الوسطى وكفاءات ونخب العراق العلمية والحرفية واستهداف التلاحم الديموغرافي كالأقليات الدينية والعرقية.
14. .بروز طبقة تجار الحرب والحواشي المنتفعة وسراق المال العام .
15. اندثار التنمية البشرية والمالية والعلمية وشياع المشاريع الوهمية والفاشلة.

تحول العراق من دولة المؤسسات الى الفوضى النازفة, في خضم الاضطراب السياسي والأمني المزمن, وعجزت الطبقة السياسية الحالية عن تحرير "معاهدة جلاء قوات الاحتلال من العراق" وفقا لقواعد القانون الدولي, لتضمن الحقوق السياسية والعسكرية والاقتصادية والاعتبارية والمالية للعراق والعراقيين, ويمكن وصف العراق بعد ثماني سنوات من الاحتلال والنفوذ والحكومات المتعاقبة بـ"الدولة الممزقة" , وقد هدرت مليارات الدولارات بتحرير عقود وهمية وبضائع فاسدة واختلاسات ارتكبها مسئولين حكوميين وسياسي الأحزاب الحاكمة وتجار الطوائف عبر حكومات فاسدة وعاجزة تسرق المال العام وتنتهك حقوق الشعب , وأضحى الفساد بنية متكاملة ترتبط بمافيا دولية وتبدو كشبكة عنكبوتيه بمنظومات عنقودية تمارس الإرهاب ضد الشعب العراقي "ملحمة الفساد والاحتيال لنهب العراق وإرهاب شعبه" .

أصبح الأمر في العراق معقدا , ويلاحظ دموية التجاذبات الدولية والإقليمية, وتترجم بالغالب على شكل رسائل عنف سياسية تنفذها أدواتهم, ناهيك عن النزاعات السياسية ومربع الاستبداد والانتهاك الخطير( السلطة ,المال ,الثيوقراطية ,المليشيات), وقد أصبح العمل السياسي والمنصب الحكومي يخضع لسياط الاحتكار السياسي, والتزكية بالجنسية من أمريكا أو إيران وفق فلسفة "تصنيع الأنظمة الملحقة" بغض النظر عن الأهلية للمنصب والخبرة بالعمل السياسي ومستوى الثقافة والمهنية والحرفية في الإدارات العليا وإدارة الأزمات واتساق سيرته بمنظومة القيم الوطنية والنزاهة, أنها سمات الفوضى المطلقة (العرقنة النازفة) .

خرج شعب العراق في ثورة 25 شباط باحثا عن الهوية والحقوق الأساسية التي سلبت منه , مطالبا بتغيير النظام السياسي , ومحاكمة منتهكي حقوق الإنسان والفاسدين وسراق المال العام, وإنهاء الاحتلال والنفوذ معا , ويبدو ان المجتمع الدولي في غيبوبة تجاه ما يجري في العراق من مجازر ليؤكد ازدواجية المعايير في التعامل مع الأزمات والمواقف والشعوب.

بات أنموذج "العرقنة النازفة" مربح للشركات القابضة ويدر أرباح فلكية, ومدمر للدول وشعوبها ويمزق هويتها ويفتت ديموغرافيتها ويجرف قدراتها وينسف مفهوم الأمن القومي, وشهدنا وصول أكثر من دولة عربية الى منصة العالم الرابع كالصومال والسودان والعراق واليمن وليبيا التي تخوض حرب أهلية تدار عن بعد , ولبنان على صفيح ساخن , وكذلك التصدعات والاضطرابات السياسية في الكويت والبحرين وعمان ومصر وتونس والجزائر والمغرب, ويبدوا أنها إعادة رسم خريطة العالم العربي بملامح غير واضحة تتسم بالقطرية المفتتة واحتراب الهويات الفرعية والضغط أو التدخل الخارجي, وتتسق بمصطلح "مستودع الفخار" أو "نظرية الدومينو" لتفكيك الجيواستراتيجيا العربية.... "أهلا بكم في العالم الرابع".

*رئيس مركز صقر للدراسات الاستراتيجية

[email protected]

‏‏الجمعة‏، 13‏ أيار‏، 2011
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 22-ديسمبر-2024 الساعة: 02:04 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-8591.htm