صنعاء نيوز/ بقلم: عمر دغوغي الإدريسي -
بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية
[email protected] https://web.facebook.com/omar.dghoughi.idrissi
إن علاقة الأدب بالمجتمع هي بالذات تشمل علاقة الأديب بمجتمعه ووعيه لما يجري حوله وكشفه ما يخصُّ المجتمع وما يخفى على الآخرين. إذاً ما الأدب ووظيفته؟ وكيف يمكنه أن يحقق الوظيفة التي حملها على عاتقه؟
فالأدب فن من الفنون الجميلة يعكس مظهرا من مظاهر الحياة الاجتماعية. وسيلته في التعبير عن تلك القيم الكلمة المعبرة الموحية، هذا التعريف البسيط يلتقي بتعريف آخر.. " إنه تعبير فني عن موقف إنساني أو تجربة إنسانية ينقلها الأديب ويبغي من ورائها المتعة والفائدة.
فالتعريف يؤكد على دور الكلمة وأثرها في التعبير ومكانتها لما فيها من سحر وقوة مؤثّرة في نفس المتلقي وهذه الكلمة وراءها مبدع مرهف الحس ورقيق الطبع شديد الحساسيّة يستشفّ بريشته الفنية وبوسيلته الخاصة.
فللكلمة دور في بناء المجتمعات وأكثر ما يظهر في المواقف العصيبة والأزمات وصانع هذه الكلمة أديب ملك عقلا واعيا متسلّحا بالوعي والإيمان بالهدف.
ولكن نسأل أنفسنا عن طبيعة العلاقة بين الأديب ومجتمعه، فهل العلاقة طبيعية وعادية كغيره من أفراد المجتمع؟ وهل علاقته علاقة توجيهية بنّاءة؟
في يقيني إنها علاقة توجيهية قياديّة نظرا لما يملكه من صفات وإمكانات تؤهِّله على تحمُّل المسؤولية ولذلك يطلب منه أن يكون أكثر التحاما بقضايا مجتمعه وهو الذي يملك وسيلة مؤثرة، فكل شيء يمكن أن يزول إلا أثر الكلمة ولا يتغيّر شيء إلا عن طريق الكلمة؟ ألم يقل التوراة في البدء كانت الكلمة "؟
فالأديب يملك القدرة على ربط الماضي بالحاضر وكشفه وترسيخه لقيم الخير وهذه أمور أساسية في الأدب ومن أهدافه. فالأديب له عين تكشف الغطاء عن روح الأمة، ويد تربط بين أجزاء شخصيتها ومراحل تطورها، وله قدم تسعى إلى مستقبل أرحب.
وهذا لا يتحقق إلا بتوفُّر أدباء ناضجين مسؤولين واعين لقضايا أمتهم ومؤمنين بمعالجتها، فالأديب له رسالة، وهذه الرسالة تتطلب منه زادا ثقافيا وفكريا يغني تجربته ويعمق رؤيته للمجتمع والإنسان ولا نفهم علاقة الأديب بمجتمعه أنها انخراط بمشاكل المجتمع، بل نفهمها إحساسا صادقا مفعما بالحب والغيرة والرغبة في تطوّر مجتمعه، فعلاقة الأديب بمجتمعه علاقة تفاعليّة يتأثر بالمجتمع وأحداثه ويتأثر بالوسط الاجتماعي ويتفاعل معه مما يزيد انتماءه وإحساسه.
ويأتي إلينا سؤال: ما هي وظيفة الأدب؟ وما هو دوره في حركة المجتمعات؟ فأرى أنّ الأدب انعكاس لرؤية الأدباء وتصوّراتهم المستقبلية، فإليكم ما قاله القاص المبدع يوسف إدريس عن علاقته بالمجتمع.
" أما نحن فإننا ندعو من أجل تدعيم هذا الأدب وتركيزِه وتوضيح اتجاهاته إلى سلوك سبيل الالتزام. سمّوه ما شئتم، ذلك هو الأدب الحيّ الذي ينبع من المجتمع ويصب فيه فيكون صورة حية له، وذلك هو الأديب الذي يصهر عواطفه جميعَها في بوتقة الناس وحاجاتهم، فينفذ إلى أغوار مشكلاتهم فيصدق في الإحساس وفي التعبير عنها والمشاركة في إيجاد حلول لها.
فالأدب الصادق أدب ليس معزولا عن المجتمع، فعلى الأدباء أن يعيشوا تجربة عصرهم، ويعكسوها في أعمالهم متوخّين ترسيخَ الجديد ونفي الفاسد.
وللأديب وظيفةٌ اجتماعية نحو قضايا مجتمعه دون أن تخرجه عن إطار ومقومات العمل الفنية لأن ما يقوله ليس عاديا.
ولو كان عاديا لما تميّز الأديب عن باقي أفراد الشعب ولا يمكن للأدب أن يؤدي وظيفته بعيدا عن مقومات الإبداع الفنية من خيال ورؤية وأسلوب مناسب وتصور لما يعبر عنه، ويرسمه بحريته بعيدا عن الإلزام فهو مسؤول أمام التاريخ عن كل كلمة عبّر عنها.
ويخطر على بالي سؤال يلحُّ عليّ كثيرا: الأدب موجِّهٌ أم قائد؟ وهل للأدب وظيفة سياسية مباشرة؟ إلى ما هنالك من تساؤلات؟ وأجيب عن هذه الأسئلة بما تمليه قناعتي معتمدا على بعض التصريحات التي أدلى بها الأدباء في مقابلاتهم، فقد سُئل توفيق الحكيم لماذا تكتب؟ فكان جوابه: لأن الفنّان لا بد ّأن يكون له وجهة نظر في الحياة وفي الناس وفي الأفكار.
الفنان ليس مجّرد متفرّج، إنه متفرج وصانع لمجتمعه في وقت واحد.
وهناك قول يقول: " النفس بحاجة إلى رخاء في غذائها الفكري والعاطفي كحاجة الجسم إلى شيء من النعيم في حياته المادية، والأدباء والفنانون يجلبون هذه الحقيقة، ويقدّمون هذه الوجبة الغنية للمجتمع.
ونحن نقول: يقدِّمونها وجبة أوّلية، ويرشدون إليها، ويلفتون الأنظار نحوها موضّحين أهميتها دون أن يلقِّنوها بالفم.
فوظيفة الأدب محصّلة لوعي الأديب وإيمانِه بدور الكلمة فالأدباء رسُل المجتمع، وهداة البشر بما يملكون من قدرات ومواهب، فالأدب ليس حزبا سياسيا أو قيادة عسكرية أو حلفا.
بل مؤشّرا لزرع قيم نتوخّاها، ونسعى لتحقيقها. فدوره دور تهذيبي تكوينيّ تحريضيّ، فرسالة الكاتب الكشفُ للناس عن الحقيقة، وهذا ما عبر عنه الفيلسوف الألماني نيتشه.
فمن لم يكن يحيا لكشف الحقيقة كاملة فليستمعْ ما طاب له من نعيم الدنيا لن يكون ذلك كاتبا وإنما هو أفّاك مزِّور لا قدْرَ له ولا مقام له.
إن هذا الإدلاء الصريح يُبيّن وظيفة الأديب ودورَه، وهذا لا يأتي إلا بتحرّر الأديب. فالحقيقة وكشفُها وتعريتها تحتاج لتحرّر الأديب سوى من فكرِه وقناعاتِه ولا نفهم حياديَّة الأديب إنّها تخلٍّ عن رسالته ومجتمعه.
فالأدب ألصق الفنون بالحياة الإنسانية وأقدرُها على الإبداع والإمتاع، وأحبّها إلى الأذواق وأشهرُها شيوعا بين الناس، وهذا ما يحدّد مسؤولية الأديب أمام هذه الثقة الممنوحة له من فئات المجتمع المختلفة.
فلا أدب من دون هدف ورسالة، يصبو إليها الأديب فالأديب الحرُّ مسؤول أمام ضميره عمّا يكتب ويقدِّم من إبداع.
ومن الأسئلة التي تتردّد في المجالس الأدبية: ما دور الأدباء أمام الأدباء الشباب الذين ينطلقون بعفويّة وحرارة، ويبحثون عن مكان لهم؟ فالأدباء الشباب لا تختلفُ الآراء حول أهميتهم ودورهم الأساسي لحمل عبء من سبقهم ومتابعة الدرب برؤية واقعية تفاؤلية متسلّحة بالحفاظ على القيم والمثل، متمسكين بتراثهم دون تناسي معاصرتِهم ومتطلباتهم.
فعليهم أن يجدّدوا ما شاء لهم التجديد، ولكن داخل إطار الإتقان والقواعد والتجويد والمعقولية وحسن النية بالدرجة الأولى.
بعيدين عن الاستخفاف والابتذال والاستهتار، وهذه الأمور لا تتحّق إلا بتعميق الصلة والعلاقة بين الأجيال وزرع الاحترام المتبادل، فعلى الأدباء أن يفتحوا صدرَهم لتجارب الشباب، ويناقشوها، وعلى دور النشر أن تأخذ بأيديه، تساعدهم على النشر، وتوجِّهُهم وتبحث عن وجودهم وهذه مسؤولية ضرورية لئلا تكون هناك قطيعة ٌ، وعندها الطامة الكبرى.
فالأدباء الشباب لهم حقوق وعليهم واجبات، ويجب أن نتوجه إليهم لنحافظ عليهم، فالمحافظة عليهم تمسّك بوحدتنا وأصالتنا.
فواجبنا معشر الأدباء أن نرسّخ فيهم إيمانَهم بعروبتهم ومثلِهم، ونمكّنهم من الوقوف بثقة وثبات، وهذا لا يأتي بالخطابات والكلمات الجوفاء، بل بالإيحاء وتنمية الحسّ بالمسؤولية.
فهم بحاجة لمن يأخذ بأيديهم قبل أن تستهلكهم الأفكارُ الدخيلة والأغاني السخيفة والأزياء المتدفقة من المفاهيم، فإني على ثقة بأن بذرة الخير والعمل مغروسةٌ في أعماقهم، لكنها محتاجة لمن يمدّها بالماء والعطاء، لكي ينعشها ويخرجها من الأزمات والمواقف العصيبة.
وأترك سؤالا مطروحا أمام أدبائنا: ماذا قدّمتم لشبابنا وأطفالنا في المرحلة الراهنة؟ وما قُدِّم لهم هل يكفي ويغني؟