صنعاء - (بقلم
عبد الصادق المغربي
تعيش منظومتنا التربوية وسط زخم من المتناقضات، استفحلت بمرور السنين وزادت استفحالا مع تردي مستوى التعليم، لدرجة استعصى معها الحل حتى على ذوي الاختصاص، مما دفع بهذه المنظومة إلى الخروج عن مسارها الطبيعي الذي هو التربية قبل التعليم.
ومما لا شك فيه، أن للفاعلين التربويين داخل هذه المنظومة تأثيرا بالغا على أهدافها وتوجهاتها إما سلبا أو إيجابا وذلك بسلوكهم وأخلاقهم وعلاقاتهم مع بعضهم البعض.
إن العلاقة ما بين الرئيس والمرؤوس داخل هذه المنظومة لا زالت تأخذ طابعا ذاتيا وليس عمليا، بحيث أن محاورة المسؤول أو الاعتراض عما يصدر منه من تجاوزات، يعتبر في نظر غالبية المسؤولين اعتداء على شخصه، واستفزازا له ومحاولة للنيل من هيبته،، فهو إن كان لم يفصح عن إحساسه إلا أن تصرفاته إزاء هذه المواقف، خير دليل على ما ذكرناه.
وقد يتفنن هذا المسؤول في ردات فعله المتكررة بالتنكيل بمرؤوسه والانتقام منه بطريقة يصعب معها الضبط والاكتشاف وذلك بالترصد لكل هفواته، والتعامل معها في إطار (( قانوني))، ناسيا أن هذا المرؤوس ما هو إلا بشر، ومتناسيا كذلك (أي الرئيس) دوره كمربي من مواصفاته اللازمة؛ التقوى، الحلم، الشعور بالمسؤولية، الإخلاص والعلم.. ولكن مع كامل الأسف، نجد أن الأسلوب السلطوي لا يزال يخيم على عقلية بعض المسؤولين، مما جعل العلاقة بينهم وبين مرؤوسيهم يسودها نوع من التوتر والتوجس، والترصد، كل من جانبه (الرئيس والمرؤوس) في مسلسل من المشاحنات قد يصل أحيانا إلى الإكراه البدني، ومحاولة النيل من كرامة الأخر..
وفي هذا الإطار، أي هذا النوع من العلاقات، داخل منظومتنا التربوية، نسوق مثالا منها؛ ألا وهي العلاقة السائدة حاليا بين المفتش أو المرشد التربوي والمدرس، التي يطغى عليها نوع من التعالي والاحتقار والانفراد بالرأي.. إنها في واقع الأمر مأساة تربوية أن ينظر غالبية المفتشين إلى المدرسين نظرة الدون، يفرضون عليهم في غالب الأحيان <<آرائهم الصائبة دائما>>، يزعجونهم بالزيارات المفاجئة التي لا طائل من ورائها غير ضبط المخالفات أو العقاب أو الانتقام.. فمنهم من اعتبر نفسه فوق كل ضابط يحدد له مسؤوليته، بل تجاوزها للاعتداء على مسؤوليات الفاعلين التربويين الآخرين، لأنه لم يجد من يوقفه عند حده..
لقد حان الوقت لئلا يستمر هذا الإطار مفرغا من مهمته الحقيقية حتى يكون فاعلا داخل المنظومة التربوية، وليس مِــعْــولَ هدم وتحطيم.
إن تعليمنا في أمس الحاجة إلى مؤطرين فاعلين ببحثهم وكتاباتهم. لذا ينبغي للمؤطر إن كان له شعور بمسؤولية المهمة المنوطة به ترصد الظاهرة التربوية وإجراء بحث ميداني حولها ومعاينتها عن قرب ولا يتم له ذلك إلا عن طريق مزاولة التدريس بالقسم ولو لفترة معينة، إلى جانب مهمة التأطير، ليتمكن من معايشة الصعوبات التي تعترض العملية التعليمية عن قرب، حتى يكون بحثه واقعي وفي مستوى الدور الهام المسند إليه..
آن الأوان كي لا تصنف هذه الفئة دائما من طرف ذوي الاختصاص بالفئة غير المنتجة و غير المقيدة بوقت للعمل. فالإنتاج والفاعلية لا ينبغي أن تنحصر في كتابة تقارير غالبا ما يكون طابعها النسخ والتكرار.
فإذا أصبح العنصر البشري عملة صعبة تراهن عليها كل المجتمعات المتقدمة تكنولوجيا، فإنه من غير اللائق أن تبقى هذه العينة من المربين المسؤولة عن إعداد مواردنا البشرية المقبلة، حبيسة سلوك التعالي يسود مهمتها نوع من التسيب غير ملتزمة بمواقيت عمل و تعتبر نفسها فوق كل حسيب أو رقيب.
لذلك فإن تخليق منظومتنا التربوية رهين بإعداد مواردها البشرية إعدادا نفسيا وتربويا حتى لا تنطبق عليهم مقولة: << فاقد الشيء لا يعطيه>> كما ينبغي أن يعم بين فاعليها التعاون والتكامل فيما بينهم في جو من الإحترام المتبادل.. |