الثلاثاء, 31-مايو-2011
صنعاء نيوز ابوطالب البوحيّة [email protected] -
حديث في السياسة (1)







يبدو أن مصالح لا عقلاء الإتحاد الأوروبي طغت بعيدا عن ما تتدعيه القارة الأوربية في توازن القرارات ومنهجية البحث والتقصي ، حتى أصاب أوربا اليوم علل كثيرة ، أهمها عودتها الفعلية لاستعمار الشعوب من جديد.



والحقيقة واضحة أمام العيان وضوح الشمس فدول الاتحاد الأوروبي تحن إلى ماضيها المزدهر بأبشع صور الاستعمار القديم ونهب ثروات الشعوب واحتلال أراضيها، ويبدو أنهم يريدون أن يعيدوا التاريخ بعد أن أبى أن يعيد نفسه بسبب وعي الشعوب ورفضها لكل ما يمس كرامة وعزة أوطانها.



فوزير خارجية بريطانيا بلفور في مطلع القرن التاسع عشر وعد اليهود بوطن قومي في فلسطين، ثم بادرت فرنسا وبريطانيا على تحريك الجماهير العربية للثورة على الاحتلال العثماني، وكانت هاتين الدولتين الاستعماريتين في ذات الوقت في غرفها المغلقة تصنع اتفاق سايكس بيكو ويبدو أن التاريخ يكرر نفسه الآن وهم يحرضون على العنف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.



وفي سرد سريع لمجريات الأحداث بعد العام 2000 وفي محاولة لتقليل العداء تجاه الكيان الصهيوني المغتصب الجاثم على أراضينا العربية في فلسطين ولفت الانتباه عنه، اخترعت الإدارة الأميركية ومعها دول الاتحاد الأوروبي ما يسمى بمحاربة الإرهاب الذي أنشأ وكسب براعة اختراع (Made in USA)، فقامت باحتلال العراق وأفغانستان وتدمير البلدين وبناهما التحتية وتسببت بقتل وتشريد الملايين من نساء وأطفال وشيوخ وخيرة شباب الأمة وعلمائها، ثم ما لبثوا أن أعجبتهم الفكرة بعد ما وجدوا من حكومات مستبدة وعميلة في دول الخليج وفتحها أراضيها للقوات الغازية لتغتصب أرض أخوتهم، ولكنهم عجزوا عن فك لغز دولة واحدة لا غير أبت أن تنصاع لأوامر الغزاة الجدد ألا وهي سورية الشآم والتي كانت ملاذا آمنا لقوى المقاومة الفلسطينية واللبنانية كما رفضت احتلال العراق بشكل قاطع وفتحت أبوابها على مصراعيها لأبنائه الهاربين من الموت، وهذا لم يرق للإدارة الأميركية وبدأت تحيك المؤامرات في الخفاء بالتعاون مع الكيان الصهيوني وكانت أولى خطوات البيت الأسود وضع سورية في دول محور الشر مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وكوريا الشمالية لرفض هذه الدول الانصياع إلى الغرب، واتـّبعها الكيان المسخ (إسرائيل) باغتيال رفيق الحريري في لبنان من أجل الضغط عليها ومحاولة تلبيسها تلك الجريمة، وما اتبعها من شهود زور ومحكمة جنايات باطلة.



الفضيحة التي نقلتها صحيفة الواشنطن بوست في تقرير لها نشر قبل أيام من أن الإدارة الأميركية في عهد الرئيس الأميركي جورج بوش بدأت تجتمع وتمول شخصيات لا وطنية سورية تدعي المعارضة جاء ضمن السياق العام لشبكة الدعم (المؤامراتي) الذي يتبنى إسقاط الدول الممانعة العاملة على موازنة خط الخراب واستنزاف الروح الوطنية في المنطقة ، وتماشيا مع الدعم (الصقوري) الجمهوري جاءت فعاليات (الديمقراطيين) لتتمة ذاك الخط ، حيث استمرت الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة أوباما على نفس نهج أسلافهم فموّلوا وجهزوا واحاكوا الفتن لإكمال ما يسمى بنشر الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط من أجل السيطرة عليه حين أحسنوا الاختيار في المرة الأولى حينما اختاروا رقعة الصومال باحتلال وتدخل جائر ثم تدخلوا في السودان القادم للتفتيت والتقطيع.



ليأتي الدور بعدها على ما يسمى بربيع الثورات العربية والتي اختلط فيها الحابل بالنابل، فبدؤوا بتونس ومصر اللتين انتفض فيهما الشعب على الظلم والطغيان والفقر والجوع ونجحت الثورة فيهما بشكل جزئي ، ولكن العادة لم تفارق وصفها حيث جاء الشجعان بالثورة ليغتم ريعها الجبناء.



فصفقت أميركا ومعها تابعها الاتحاد الأوروبي لتلك الثورتين، ولكن حينما ثار شعب البحرين على الظلم واستعان حكامه الطغاة بقوات محتلة من السعودية لم تتدخل أميركا بل وعملت من خلال أجهزة بثها الفضائية المؤدلجة على إخفاء الصورة وتدجين الثورة البحرينية واتهامها بالدعم الإقليمي وهو الشماعة الجديدة التي تؤطر فكرة الكيل بمكيالين.

ثم بدأت فتنة ليبيا التي ربما كانت الهدف الأول لأميركا وفرنسا لوجودها على بحيرة من البترول ذي الرائحة التي تشم من على بعد سبعة أبحر، فأثاروا الفتنة مستغلين التخبط الكبير لنظام العقيد القذافي، واختصروا سيناريو العراق ذي 14 عاما بـ 14 عشرا يوما، وها هي ليبيا تحترق اليوم وتغتصب أراضيها وتسفك دماء أبنائها بلا سبب.

ومرة أخرى عندما أرتكب علي عبد الله صالح مجازر بحق شعبه المستمرة إلى ساعة كتابة هذه المقالة لم تتفوه لا أميركا ولا فرنسا بكلمة واحدة والسبب ذاته ، الرؤية المصلحية التجارية الاستراتيجية في المنطقة.



كل ذلك كان تمهيدا لاطلاق عنان الفعاليات التآمرية ضد سورية التي تقف حاجزا امام استنزاف المنطقة ومناعتها فنفذوا خططهم بأذكى الطرق كما قال الرئيس السوري بشار الأسد وشهد لهم بذكائهم بتلك الطرق لكنه شهد أيضا بغبائهم لاختيار سورية وشعبها.



فخلطوا ما بين المطالب المحقة الداعية إلى الإصلاح وبين الفتن والقتل والدمار والتخريب، وتناسوا أن سورية بدأ فيها الإصلاح منذ تسلم الرئيس بشار الأسد لدفة القيادة، بخطوات ملموسة وفعالة أدركها جميع المواطنين وحصدوا ثمارها، فأمروا بتحريك عصابات سعد الحريري وبندر بن سلطان التي اختارات أن يكون يوم الجمعة منطلقا لها كل أسبوع، وتناسوا أن جمعتنا جمعة محبة وسلام جمعة محمد عليه الصلاة والسلام صاحب الرسالة الأسمى في الكون ورسول الإسلام الوسطي، وليس بغريب اختيارهم ليوم الجمعة لجعل تلك الأحداث تتلون بصبغة طائفية، ولكن وعي الشعب السوري وتضحيته بالدماء الزكية من مدنيين ورجال امن وشرطة وقفت بالمرصاد لتلك المؤامرات التي حيكت بليل، وعجزت أميركا والكيان الصهيوني وتابعهما الاتحاد الأوروبي للآن عن الوصول إلى مبتغاهم وتكرار سيناريو ليبيا في سورية.

أمام هذه المناعة جاءت العقوبات الخارجية الاقتصادية على شخصيات وطنية سورية بعد استشارة وسماع لآراء من يدعو المعارضة في سوريا الذين تعهدوا في مؤتمر اسطنبول برفع علم (إسرائيل) فوق دمشق حال وصولهم إلى الحكم ترضية للوفد الصهيوني والأميركي الذي حضر لذلك المؤتمر.



هذه العقوبات تضيف صفحة سوداء جديدة إلى سجل دول الاستعمار القديم في منطقتنا عندما اتخذوا إجراءات تطاولوا فيها على الرئيس بشار الأسد رمز السيادة الوطنية والوطن وكذلك بعض المسؤولين القياديين.



وسبقت تلك العقوبات سفر كاثرين اشتون وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة من أجل اتخاذ الإدارة الأمريكية لحزمة عقوبات تمهد لاتخاذ الأوروبيين فيما بعد هذه العقوبات اليوم.



وما كانت العقوبات الاوربية الغير متوقعة بهذه السرعة ضد سورية الا تبادل أدوار ، فأمريكا تقود هذه الإجراءات ضد سورية واتخذت الإجراء قبل أيام من اتخاذ الأوروبيين لها وعندما لمست أن الأوروبيين منقسمون فيما يتعلق بهذه الإجراءات أعطتهم رسالة تقول إن سورية هي الهدف ولذلك لا نستطيع التمييز بين الموقف الأمريكي والأوروبي إذا لم نقل أن أمريكا هي التي تقود هذه الحملة.



وعلينا أن لا نقلق بشأن أبعاد هذه الإجراءات الأوروبية وتأثيرها على سورية التي تشهد تضخيماً إعلامياً لهذه الإجراءات، فأوروبا تحتاج إلى سورية كما تحتاج سورية لها لكن بالنسبة لسورية فأوروبا أو أمريكا ليست كل العالم فهناك في العالم شرق وهناك أفريقيا وأمريكا الجنوبية وروسيا والصين ، والخاسر الفعلي من لا يعي دور الحكمة السورية في المنطقة ومنهاج المطاولة في الصمود والعزيمة في الاصلاح الحقيقي الذي تتطلبه المرحلة.



ولا يجب أن ننسى ما قاله الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالأمس (يجب الحفاظ على التفوق الإسرائيلي) وتحدث بذلك صراحة فكيف يدّعون القلق على الإنسان السوري وهم يتخذون إجراء بمنع بنك الاستثمار الأوروبي من إعطاء قروض لسورية أو بوقف التعاون بين الاتحاد الأوروبي والحكومة السورية من أجل التنمية فهل هكذا يسعون للإصلاح أم يضعون العراقيل أمام الإصلاح وأمام تحسين معيشة المواطن السوري.



ضمن هذا التشرذم الاممي الحاصل نبحث فعلا نحن ابناء الامة الغائبة عن فكر قيادي امين يوازن بين رد المؤامرات والبحث عن سد النقص (الديمقراطي) الذي اوجدته ظروف الخوف والهاجس من مخاطر الحروب والمحاكم الدولية الجائرة.



هذا الفكر وتلك القيادة تتواجد اليوم بحنكة واضحة لدى الطرف السوري الذ يعي فعليا دوره الحالي ، وما على الشعب في سورية سوى الالتفاف حول قيادته دعما لدفع المرامرات الرامية لتمزيق كيانه الداخلي وتماشيا خطط الاصلاح الفعلية التي انطلقت ولم يعد ما يبرر توقفها على طول الطريق.



ايام قد تطول غير ان التعافي قادم لا محالة ، وغيوم هذا الصيف شاءت الاقدار او ابت ستزول ليبزغ فجر شتاء مملتئ بالغيث السمين نحو سورية الله حاميها.
تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 22-نوفمبر-2024 الساعة: 12:26 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-8903.htm