صنعاءنيوز / بقلم: إبراهيم أمين مؤمن -
أخذ فهمان وولجا إلى الداخل، اتصلَ بطبيب على الفور ثمّ فتح الحاسوب وبحث عن بريد ميتشو كاجيتا، ثمّ أرسل له هذه الكلمات: «اخسأْ حيث أنت يا ابن الملعونة يا كلب اليابان، قبل أن يصل إليّ الساموراي كانت قنابل الثقوب السوداء في مواقعكم، بأمري أنا أستطيع أن أرسل اليابان إلى البُعد الذي أريده أنا، أنت أرسلت أساطيلنا الثلاثة ولم تعرف أين ذهبوا، لأن هذه قدراتك العلمية ولن تتجاوزها، لكني أستطيع وفهمان أن نرسلهم إلى جحيم الآخرة بعد أن حاسب ربنا خلائقه، وسأملي عيني تمتعا عندما أراك في الدرك الأسفل من النار، والنار تأكل جسدك.
وتلاها مباشرة الرسالة الثانية، أرسل رسالة إلى الرئيس الأمريكي، ورئيس المخابرات، ووزير الدفاع، ورئيس ناسا: «سوف تصلكم قنابل
الثقوب السوداء خلال يوم على الأكثر، لكن لأن الأمر خطير حيث قد تُقدم اليابان على عمل متهور، فأعلنوا عن خبر ثقب سحابة أورط، قولوا لهم بأن أمريكا الجريحة قد رصدت ثقبًا أسود في أوّل سحابة أورط، وأنّها فضّلت أن تزيل الهموم مِن على كواهل العالم وتضعه على كاهلها رغبة في الحفاظ على حياة الناس من الذعر الذي قد يصيبهم بالموت، وأنّ تقنياتها التكنولوجيّة قادرة على التخلص منه، وأخبروهم أن جاك الولايات المتحدة الأمريكية فتى البركان الملثم ومطفئ حريق جامعة بيركلي وحده هو القادر على القضاء على الثقب، قولوا لهم إن كل لحظة تمر فيها خطورة على كوكب الأرض، لذلك أخبروهم بأن يسخروا كامل مصاعدهم الفضائية لحِمل المزيد من الخامات اللازمة لعمل أجهزة ليزر عملاقة تتمركز على سطح القمر، ليزرات تبلغ آلاف الأميال من أجل عمل شراع شمسي.»
ارتعشت يده فتوقف فجأة على أثرها واغرورقت عيناه من الدموع، ثم استأنف رسالته:
«وقولوا لهم بأن جاك يقول لكم بأن تكفوا عن الأحقاد، والحروب، وأن تجعلوا ضمائركم حكما على أعمالكم.»
بعد أن انتهى من رسالته تنفس الصعداء وهو يقول: والآن أمريكا في مأمن من اليابان، لكن هذا لا يكفي، فرئيس وزراء اليابان مجنون، لذلك لابد من الحصول على القنابل. فهمان، لازم يغير رأيه.
لا لا، الآن فقط لا يستطيع الاقتراب مني أو من أمريكا فالعالم كله يعلم أنني أنا الوحيد القادر على إبقائهم على قيد الحياة.
آه يا جاك، نسيت كثيرا، نسيت أن الثقب سيجعل أعداء الأمس أصدقاء اليوم، جميعهم سيزيلون أقنعتهم من على وجوههم وسيدسونها في التراب دعاءًً إلى الله للنجاة من الموت.
***
فتح كاجيتا بريده الإلكترونيّ وقرأ رسالة جاك، عندئذ قال: الآن حصنت بلدك مني.
ثمّ أبلغ الإمبراطوريّة اليابانيّة على الفور، والذي بدورها قررت على الفور تهدئة الأمور بينها وبين أمريكا.
ثم قرر متابعة الرسائل فجاءه خبران، الأول وفاة كل أعضاء فريقه البحثي إثر حادث تصادم على طريق الوادي الجديد.
عندها قال دهشا وفي غضب حاد: كلاب، الموت هو عقابكم الوحيد.
والخبر الآخر هو إعلان وكالة ناسا منذ دقائق عن وجود ثقب أسود قد يلتهم المجموعة الشمسية كلها في غضون شهور.
قال كاجيتا: أخيرا انكشف السرّ الذي أخفيته عن اليابان كي أشفي غليلي بالانتقام أولا، والآن يجب على هذا العالم أن يخضع لمن صنعوه، يجب أن يخضع اللحم والعظم والروح للآلة، فالآلة أرقى منزلة منهم بعد أن توحشت البشرية.
لم يكد ينهي كلامه حتى تخشب مكانه ونظر في سقف الحجرة، وغفا غفوة سمع فيها رئيس كون الآلات يسأله: «متى تأتينا إيريكا 300؟»
وعندما أراد أن يجيبهم أفاق من غفوته، وقال: إن كنتَ يا جاك الوحيد القادر على الوصول إلى الثقب من خلال شراعك الشمسي فأنا الوحيد
الذي استطاع أن يوحَى ويوحِي إليه من خلال بُعد كوني آخر.
***
كان جرح فهمان سطحيًا بحيث ضمد له الطبيب جراحه وزال الألم عنه على الفور.
ظل جاك يفكر كيف يقنع فهمان بصناعة قنابل الثقوب السوداء له، فلم يجد وسيلة أفضل من أن يؤكد له أن ذهابه لإبليس لا جدوى منه ما دامت حياته في خطر لأنه هو الوحيد القادر على الوصول إلى ثقب سحابة أورط.
لما أفاق فهمان -وهو في الفراش- فاتحه بذلك بالفعل، فقال فهمان: «أرسل إلى اليابان أنها بحوزتك.»
قال جاك: «إذن ستصنعها لي.»
قال فهمان بعد أن وارى وجهه عنه وقال: «لا أستطيع أن أشارك في دمار العالم.»
تلبدت ملامح جاك، بينما عاد فهمان بوجهه إليه وقال كالمستدرك: «أخبرهم بأمر ثقب سحابة أورط وأنك الوحيد القادر على خلاص البشرية كلها من موت محقق.»
لقد أفحمه فهمان لذلك قرر أن ينتقل لتحفيز آخر يستحثه من خلاله على القبول بصنع القنابل، لذلك قال: «ما قلته لا يكفي، إن أمريكا معرضة للفناء في أي لحظة، أكثر من مليون جنديّ راحوا بسببك، ثم لا تنس يا دكتور فهمان أنها هي التي ربتك وعلمتك وأوصلتك لهذا العلم، حتى هذا المصادم لولا أمريكا ما كان ولن يكون، ألم يحن الوقت لتردّ لها الجميل؟»
لقد وطأ جاك على جرح انفتح في قلب فهمان وقد لا يندمل بسهولة، ولذلك تشنج جسده، وارتعش وجهه كارتعاش ورق الشجر في يوم عاصف، وهو يصيح بكلمات لا تكاد تخرج من فيه: «لا، لا أستطيع.»
نظر إليه جاك نظرات ازدراء ولم يعبأ بوجيعته ثم انصرف وقال: «أنا أستطيع، سأصنعها بنفسي يا فهمان.»
فناداه بصوت متقطع كصوت الطفل الباكي: «لا تخشَ صديقي، خبر الثقب سيثني العالم عن مجرد التفكير في الحرب أو الثأر أو حتى السعي وراء الطعام والشراب، كلّ ما يشغلهم الآن التأكد من وجوده، فإن تأكدوا سيتّحدون للخلاص منه.»
***
مضى جاك وهو يقول لنفسه: لا بأس يجب أن أحاول رغم أن الفيزياء النظرية لم تكن تخصصي.
ونزل إلى المصادم ودعا بعض خبراء الفيزياء النووية للانضمام إليه، وأعلمهم أنه يريد صنْع قنابل الثقوب السوداء من أجل الحفاظ على وجود أمريكا كجنس بشري.
وشرعوا في التجارب بالفعل، ومضت أيام كان جاك لا ينام إلا غفوات، بينما ينسق الخبراء مواعيد العمل معه من أجل أن يرتاح البعض الآخر ولو ثلاث ساعات.
وأخيرا تمكن جاك من صنعها، وهي نفس الطرائق التي اتبعها كاجيتا بالضبط إلا خطوة واحدة تبقى لجاك ولم يعلم بها.
قال جاك بعد تمكنه من صنعها وهو ينظر إليها وهي بحجم بيض البرغوت: «والآن معي خمس قنابل، علي بتجربتها لأتأكد أنها تعمل على أكمل وجه.»
فخرج بها مع الخبراء إلى صحراء الوادي الجديد، وحمل معه جهاز الليزر المعجزة الذي لديه القدرة على تخليق الطاقة المناسبة لفتح الثقب الدودي.
فلما نصب الجهاز وإحدى قنابل الثقوب السوداء وهمّ بضربها ارتعش وسقط مغشيا عليه.
التفوا حوله مسرعين، وحاولوا بشتى الطرق إفاقته بيد أن الصدمة كانت قاسية عليه فغيبته تماما.
حتى قال أحد الخبراء: «أخشى أن يكون أصيب بشيء.»
قال آخر:«انظروا جيدا لعل لدغه عقرب.»
فأجيب عليه: «إنه مصدوم من شيء ما.»
بعد مرور فترة استطاعوا إفاقته، وفور أن أفاق أسرع نحو السيارة ولم يكلم أحدا منهم وداس بنزين حتى وصل إلى المصادم.
دخل على فهمان في حجرته فلم يجده.
خرج مسرعا وهبط إلى النفق بأحد المصاعد، فوجده يجري بعض التجارب على المصادم كي لا يضيع أي وقت من أجل الحفاظ على أمن العالم، ولم يلحظ الإعياء الشديد عليه، فأمسكه من مجامع ثوبه ودفعه، فوقع على الأرض، قال جاك وهو في قمة الغضب: «أخبرني كيف تعمل هذه القنابل وإلا قتلتك.»
كان فهمان مطروحا على الأرض آنذاك، فنظر في الأرض ولم يرد عليه.
انكبّ عليه جاك بعد أن خارت قواه النفسية، وقال له في رجاء: «أخبرني كيف.»
قال فهمان: «إن كنتَ بحاجة إليها من قبل فالآن لست بحاجة إليها، فلن يستطيع أحد قتلك بعد أن علم العالم كله بأمر ثقب سحابة أورط، وأنك الوحيد القادر على الوصول بهم إلى بر الأمان.»
قال جاك معنفا إياه: «فهمان، أخبرني كيف أضربها بالليزر وتصيب الهدف، لن أستطيع أن آمن على بلدي وفيها أولئك الأوغاد (يقصد اليابان).»
قال فهمان: «وأنا لن أستطيع أن آمن على العالم وتلك القنابل بين يدي مجموعة من الدول، وأنت تعرف أنها أخطر من الأسلحة النووية لأنها تصيب العدو ولم يعرف مَن أصابه.»
لم يمل جاك من طلبه حيث قال: «أعدك بأني لن أصنع منها سوى خمسة، ولن أعطي الإدارة الأمريكية سوى واحدة، فما رأيك؟»
- «وعد؟»
- «وعد.»
قال متبسما: «ماذا فعلت في الصحراء يا جاك؟»
- «فهمان، لقد وعدتك.»
- «سأخبرك بالحلقة المفقودة رغم أني لم أمارس التجارب، أنت طبعا لم تستطع أن تضربها بالليزر لأنها سوف تبلع المنطقة التي حولك فحسب، وأنت منهم، وضربات الليزر لابد أن تكون قريبة من القنابل.»
- «نعم، نعم.»
-«أين القنابل التي صنعتها؟»
بسط يده وأعطاها لها قائلا: «ها هي.»
-«ارمها، لا منفعة منها.»
فدهش جاك وقال: «اعتبرني رميتها.»
قال فهمان: «صديقي كلّ خطوات تجاربك سليمة إلّا أنّك تحتاج إلى خطوة تأليف قلوب ذرات الرابيديوم بحيث تكون في تناغم تام تام، حتى إذا اهتزّ إحداها اهتزتْ كلُّ العائلة معها.»
فردّ جاك: «فهمتك صديقي، تقصد عمل القنابل بالاحتفاظ بنصف ذرات الرابيديوم والتي تتصل بأخواتها الموجودة في القنابل وترتبط معها بحبل غير مرئيّ أشبه بالحبل السري، إنّها نظريّة شرودنجر اسمها التواصل الكموميّ، فإذا ما تمّ تسليط الليزر على النصف الذي معي تمّ نقل الفعل مباشرة إلى النصف الموجود في القنابل، شكرًا صديقي .»
***
|