صنعاء نيوز/احمد صالح الفقيه -
أصدرت قيادة قوات الجيش اليمني المناصرة للثورة الشبابية الشعبية السلمية بيانا من صنعاء منذ يومين بتاريخ 1/7/2011م حول المواجهات المحتدمة في زنجبار وعدد من مدن أبين،
وكنت عندما رأيت القادة العسكريين وهم يعلنون البيان رقم واحد منذ أسابيع قد تذكرت على الفور ملتقى أبناء الجنوب ابن العام 2005/2006 ، وان كان قد دخل عليه تغيير بانضمام قائد الفرقة الأولى مدرع وإتباعه من الضباط القادة، وهو انضمام لم يغير شيئا من حيثيات نشوء الملتقى في الأصل. وان كان ظهور الملتقى مجددا وقد انضم إليه اللواء علي محسن الأحمر وقادة مكونات الفرقة الأولى يقلل من مخاوف هيمنة حزب الإصلاح على الفرقة ويضفي على العسكريين المنشقين طابعا وطنيا عاما بدلا من الطابع الحزبي الاخواني/الإصلاحي الذي حاول صالح إلصاقه بهم. وان كان لا ينفي أن تحالفهم مع الإصلاح قديم
ولإيضاح طبيعة الملتقى سأستعيد مقالا كنت قد كتبته ونشرته حول الملتقى في العام 2006:
”كانت ردود فعل النظام على تأسيس الملتقى ، وعلى خطابه ، قد اتسمت بقدر كبير من الارتباك يصل إلى درجة التناقض؛ فمن جهة كانت ردة الفعل الأولى تجميد قرار إحالة العسكريين من أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية إلى التقاعد؛ وهو ما شكل نجاحاً فوريا للملتقى الذي كان قد وضع هذا المطلب على قمة جدول أعماله.
ثم أعقب ذلك هجوم إعلامي كاسح على الملتقى من كل أجهزة السلطة ومستوياتها، لم يوفر اتهامات التخوين والتآمر والانفصالية، ثم تبع ذلك استقبال رئيس الجمهورية لرموز الملتقى وقياداته .
وفي رأيي، أن هذا الاهتمام الشديد والارتباك، إنما يرجعان إلى المأزق الذي يعيشه النظام بالنظر إلى الأوضاع المحلية والدولية، وكلاهما يرتبطان بأكثر من رابط تاريخي و سياسي .
من الناحية التاريخية: تمثل قيادات الملتقى سواء تلك التي على المسرح أو الواقفة في الكواليس، جزءا من المنظومة الثلاثية الحاكمة تميزت بتحالفها مع المعسكر الغربي الأمريكي كطرف في الصراع العالمي أثناء الحرب الباردة؛ وقد أصبحت كذلك بعد أن فجرت أحداث 13 يناير 86. وانضمت بذلك إلى نظام الحكم في الجمهورية العربية اليمنية، باعتباره امتداداً لانقلاب الغشمي الذي خططت له أجهزة استخبارات المعسكر الغربي الأمريكي وأجهزة حلفائها الإقليميين؛ لإجهاض تقارب نظامي إبراهيم الحمدي وسالم ربيع علي، وهذه القيادات لم تغير تحالفاتها تلك بل بقيت على مقاعد الاحتياط حتى يرى راعيها أن اللحظة المناسبة لتحركها قد حانت.
أما العنصر الثالث في المنظومة فهو حركات الإسلام السياسي؛ سواء الإخوان المتحالفون مع الحركة الوهابية، أو السلفيون الذين يشكلون امتدادا لها؛ فقد ساهمـت هذه الحركات في جهود المعسكر الأمريكي الغربي من خلال صد هجمة الجبهة الوطنية على النظام في الشمال، إضافة إلى تزويد الغرب في حربه ضد السوفييت في أفغانستان بالمقاتلين .
وقد رأينا كيف تجمعت هذه المنظومة الثلاثية لتصفية الحزب الاشتراكي عام 94م في سياق مخطط أطلسي أشمل استهدف تصفية الأنظمة والقوى السياسية التي كانت موالية للسوفيت حول منابع النفط؛ تحسبا من أية مفاجآت مستقبلية. وقد تم تنفيذ المخطط ابتداء بتصفية نظام سياد بري في الصومال ومروراً بنظام منجستو هيلاماريام في الحبشة، ثم بنظام الرئيس العراقي صدام حسين الذي استبق الضربة باحتلال الكويت، وانتهاء بالحزب الاشتراكي اليمني. ونتيجة لنجاحها شكلت هذه المنظومة الثلاثية التحالف الحاكم في اليمن بعد حرب 94م .
الوضع الدولي الحالي
إن تحول الإسلاميين إلى معاداة الغرب، جعل الغرب يضغط على النظام لتصفية حلفاء ألامس أعداء اليوم من الإسلاميين. ولكن النظام أثبت عجزه عن القيام بهذه المهمة يوماً بعد يوم، ناهيك عن تلبية المطالب الأمريكية بإيجاد أوضاع تعمل على تجفيف منابع الإرهاب وهو ما يعني إصلاحاً إدارياً وسياسياً شاملاً، وتحقيق سيادة القانون، ومنع التجاوزات والقضاء على الفساد، والعمل على بناء اقتصاد يتيح تنمية معقولة تمتص البطالة وتتيح مستوىً معيشياً أفضل للمواطنين، وهي أمور معناها تصفية النظام. وتلك أهداف لم يكن الأمريكيون ليهتموا بها لو لم تكن الأوضاع الحالية السيئة للبلاد عاملاً رئيسياً في تنامي جاذبية الحركات الإرهابية في أوساط الشباب الذي فقد الأمل في مستقبل معقول.
أثره على الوضع الداخلي
قام هذا العهد على تحالف مع شريحة من الشيوخ والمتنفذين شرهة إلى المال العام غاية الشراهة. وهي تستنزف المال العام بوسائل غير مشروعة، ضاربة عرض الحائط بالدستور والقوانين، الأمر الذي أدى إلى إيجاد مناخ ملائم لنمو الجريمة ونمو الحركات الإرهابية .ولهذا فان النظام يواجه احتمال انقلاب رعاته الدوليين عليه وهو الذي يعرف حق المعرفة سطوتهم وقدراتهم.
ولذلك فقد كان ظهور الملتقى مفاجأة للنظام أصابته بالارتباك، لان قيادات الملتقى جزء من المنظومة، ولان ابتعادها عن النظام يشكل خطرا كبيرا عليه؛ لوجود احتمال تحالف الملتقى مع الحزب الإشتراكي، أو مع القيادات العسكرية غير المنتمية إلى مراكز القوى، والبيروقراطية المستنيرة في الجهاز الحكومي، والتي تشعر كلها بخطورة أوضاع الفوضى وانعدام القانون على مستقبل أبنائها ومستقبل الوطن ، إضافة إلى أن قيادات الملتقى عسكرية الطابع أساساً وذلك ما يزيد من شعور النظام بالخطر. واعتقد أن الملتقى اختار قصر خطابه على شؤون المحافظات الجنوبية والشرقية خوفا من إثارة النظام الذي قد يعتبر ذلك محاولة من الملتقى لطرح نفسه بديلا له. ولكن الملتقى وفّر بذلك للنظام فرصة اتهامه بالمناطقية والتوجه الانفصالي. وهو ما دفع الملتقى إلى التصعيد ليطالب بتنفيذ وثيقة العهد والإتفاق.
ولاشك أن الخطر الذي يستشعره النظام يجعله في غاية التوتر، خاصة على ضوء التغلغل الذي قام به راعيه الدولي في قدس أقداسه أي في الحرس الجمهوري والقوات الخاصة وأجهزة الاستخبارات والأمن تحت غطاء التدريب. وبسبب شعوره إضافة إلى ذلك بان الراعي الدولي يجرده من كل حلفائه وهم الإسلاميون القبليون الذين ينتمي إليهم النظام من الناحية العشائرية، وشيوخ وسلاطين المحافظات الجنوبية والغربية بسبب توجهاتهم الإسلامية، وهم الذين كان النظام قد عمل على تقويتهم بغرض سحب البساط الشعبي من تحت أقدام الحزب الاشتراكي، وأيضا من تحت أقدام حلفائه (الزمرة) ؛ في محاولة لتحويلهم إلى مجرد موظفين بيروقراطيين من دون سند شعبي، وهو ما تجاوزه (الزمرة) بتأسيسهم للملتقى.
ويشكل احتمال خسارة النظام لقيادات الملتقى ضربة قوية لدعائم سلطته، ولذلك تبدو ليونته مع الحزب الاشتراكي محاولة لبناء تحالفات جديدة . ولكن ليس من المتوقع أن يلعب الاشتراكي لعبة النظام وهو الذي يطرح نفسه بديلا له . ولم يكن أمام النظام إلا الاستجابة لمطالب الملتقى أو بعضها للحفاظ على ولائه للنظام، مع محاولة إرهابه إعلاميا في الوقت ذاته. وهو ما دل عليه التحرك السريع لإيقاف إحالة ثمانية عشر ألفا من العسكريين أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية إلى التقاعد، وقرار إزالة النهب العشوائي للشواطئ والمتنزهات في مدينة عدن وهي التي ظل يشكو منها المواطنون لسنوات دون جدوى من جهة، وإقالة الناطق باسم الملتقى من عمادته بالجامعة من جهة أخرى.
واعتقد ان الملتقى إذا اعاد تفعيل نشاطه يستطيع إذا استغل الظروف بحصافة أن يجبر النظام على تخفيف معاناة مواطني تلك المحافظات ووضع حد للمتنفذين بل وغير المتنفذين قبليين وعسكريين والذين يعيثون فيها فسادا بصورة توحي أنهم يحسبونها أرضا وبشرا غنيمة. وبذلك يؤدي خدمة جلى للمواطنين والوطن ويوفر لنفسه قاعدة شعبيه، وهو ما قد يؤدي إلى توجه مماثل في المحافظات الأخرى يوقف قادة الملتقى على أرضية إجماع وطني صلب، ويبلور تحالفات وطنية ترسم إمكانات مستقبل أفضل من الوضع الحالي المليء بالفوضى والذي أصبحت نهايته القريبة مرتسمة في الأفق.
يبقى أن النظام وقد أستشعر الخطر منذ فترة، أخذ يتمسح بالقضايا القومية ـ وأقول يتمسح لأن معاملة عسكره للمواطنين لا تقل وحشية عن الأساليب الشارونية ـ الأمر الذي يطرح بقوة إمكانية قيامه بافتعال أزمة سياسية مع الولايات المتحدة على خلفية تلك القضايا، من أجل إبعاد الخطر الأمريكي المباشر عنه بإخراجهم من البلاد، وليتمكن من ضرب معارضيه بتهمة العمالة في نفس الوقت؛ مستغلا السخط الشعبي على الولايات المتحدة. وهذا السيناريو محتمل كثيرا بالنظر إلى ولع النظام بالأزمات والهرب بواسطتها من الاستحقاقات."
|