صنعاءنيوز / -
كان مصير الرئيس الروماني نيكولاي تشاوشيسكو وزوجته إيلينا نموذجا لسيناريوهات ما عرف بالثورات "المخملية" في أوروبا الشرقية التي تجددت في صورة "ثورات ملونة" في عدة دول.
احتجاجات رومانيا كانت بدأت في 18 ديسمبر عام 1989 في بلدة تيميشوارا، وكان سببها محاولة الحكومة طرد زعيم معارضة محلي وهو مجري وراع لكنيسة بروتستانتية ويحظى بدعم الأغلبية المجرية في هذه المنطقة. الاحتجاجات انتشرت وتمددت إلى جميع أرجاء البلاد.
تشاوشيسكو، وكان أكثر رؤساء الدول الشيوعية في ذلك الوقت قربا من الغرب ومن الولايات المتحدة، حاول في 22 ديسمبر إعادة الأمور إلى نصابها بتنظيم مسيرة مؤيدة مضادة.
الأمور في البداية سارت كما خُطط لها. تجمع المواطنون أمام المقر الرئاسي في بوخارست، إلا أن عبارات التأييد تحولت فجأة إلى شعارات مضادة، واندلعت أعمال شغب وعنف، فغادر تشاوشيسكو وعقيلته بوخارست على متن طائرة مروحية.
قيل لاحقا إن الزعيم الروماني وزوجته كانا ينويان الهرب من البلاد بعد أن تبين أن الجيش بدأ في مساندة المتمردين. لم تصل الطائرة المروحية الرئاسية حتى إلى المطار، واضطر تشاوشيسكو وإيلينا إلى طرق باب منزل خاص وطلبا من أصحابه المأوى. هؤلاء سمحوا لهما بالدخول، إلا أنهما وضعا في إحدى الحجرات واتصل المواطنون على الفور بالجيش!
في مساء نفس اليوم نقل نيكولاي وإيلينا إلى مركز الشرطة في مدينة ترجوفيشت بوسط البلاد. من هناك، نقلهما الرائد أيون ماريش إلى ثكنات الحامية المحلية، وطمأنهما قائلا إنهما سيكونان آمنين تماما هناك. أمضى تشاوشيسكو وعقيلته، اللذان اعتادا على النعيم ثلاثة أيام بين جدران ثكنة عسكرية.
صبيحة يوم 25 ديسمبر عام 1989، وصل إلى الثكنة العسكرية ممثلون عن الحكومة الجديدة في بوخارست، ونظموا على الفور محاكمة عسكرية سريعة استمرت أقل من ساعتين.
المحكمة ترأسها الجنرال جورجيكا بوبا، وجرى اتهام تشاوشيسكو بالمسؤولية عن إبادة جماعية للشعب الروماني وجرائم أخرى لا حصر لها، بما في ذلك انهيار اقتصاد البلاد وامتلاك حسابات مصرفية في الخارج.
تلك المحكمة التي كان هدفها الإسراع في إعدام زعيم سياسي، وإغلاق ملف النظام السابق في البلاد، وصفت بأنها كانت بمثابة مشهد كوميدي سيء، حتى أن الشخص الذي كلف بالدفاع عن الرئيس الروماني المخلوع زوجته كان ضدهما واعتبرهما مذنبين في مرافعته.
حين انتهت المحكمة، اقتيد تشاوشيسكو وإيلينا إلى الخارج ووضعا على جدار مرحاض للجنود وأطلقت النار عليهما على الفور. أشخاص حضروا عملية الإعدام ذكروا أن الرئيس الروماني حين كان يقاد إلى الجدار ترنم بصوت عال بكلمات النشيد البروليتاري، وقبل أن تطلق النار عليه صرخ قائلا: "تحيا رومانيا الاشتراكية الحرة! ويسقط الخونة".
تميزت السنوات الأولى من حكم تشاوشيسكو بإصلاحات ليبرالية قربته من الغرب حتى أن الدول الغربية تعاونت بنشاط معه وحصل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير، قروضا تزيد قيمتها عن 22 مليار دولار، إلا أنه لم يرغب في تحمل عبودية الديون، وفرض بواسطة استفتاء في عام 1983 حظرا على المزيد من الاقتراض، كما أنتج سياسة ربط الأحزمة من أجل سداد ديون بلاده الخارجية، الأمر الذي أُنجز بحلول أبريل عام 1989. ويبدو أن ذلك لم يرق لمؤسسات الغرب المالية، كما أن وسائل الإعلام الغربية بدأت في وضعه في خانة الأشرار.
لماذا أعدم تشاوشيسكو؟
روجعت محاضر تلك المحكمة في رومانيا بعد عدة سنوات، وتبين أن جميع التهم التي وجهت له لم تكن صحيحة، فقد اتهم تشاوشيسكو بالمسؤولية عن قتل أكثر من 45000 شخص خلال أعمال شغب جرت في تيميشوارا ومدن أخرى، في حين قتل 72 شخصا فقط في مدينة تيميشوارا، وتجاوز الرقم في جميع أنحاء رومانيا الألف، نصفهم من قوات الأمن!
أما بالنسبة لاتهام تشاوشيسكو وإيلينا بامتلاك حسابات في بنوك أجنبية، تتراوح قيمتها بين 400 مليون ولار إلى مليار، فقد أعلن رئيس لجنة برلمانية خاصة يعد 20 عاما من البحث أنه "بعد الاستماع إلى العديد من الشهود الذين لديهم معلومات حول هذه المسألة، بما في ذلك رئيس مجلس إدارة البنك المركزي، بالإضافة إلى مصرفيين وصحفيين آخرين، توصلنا إلى استنتاج مفاده أن نيكولاي تشاوشيسكو لم يكن لديه حسابات مصرفية في الخارج ولم ينقل أبدا أموالا عامة إلى الخارج".
علاوة على كل ذلك، أظهرت استطلاعات رأي أجريت في السنوات الأخيرة أن 53 ٪ من سكان رومانيا لا يمانعون في العودة إلى الحقبة الشيوعية، في حين يصف 49% من الرومانيين المعاصرين تشاوشيسكو بالقائد الجيد، في مقابل 15 بالمئة يرون أنه سيء، لكن 84% من سكان رومانيا عبروا عن ندمهم لإعدامه ويصفون ذلك بالأمر غير العادل. بطبيعة الحال، قد يكون تشاوشيسكو ارتكب أخطاء كبيرة عن قصد أو بدونه خلال فترة 24 عاما من الحكم، إلا أنه أعدم بتهم مختلقة.
المصدر: RT
أرشيف |