الأحد, 03-يوليو-2011
صنعاء نيوز - 	ينـاقش هذا البحث  اداءالمعلم في تدريس  النص الادبي اداء ابداعيا، كما يبين سمات المعلم الجيد, ويقدم البحث معايير لاختيارالنص الادبي الجيد  لطلاب الجامعة في اقسام كليات الاداب والتربية المتخصصـة ولـطـلاب بعض المساقات العامة والعلمية الاخرى. صنعاء نيوز/الدكتورابوبكر محسن الحامد * -
أداء المعـلم والنص الأدبي




ينـاقش هذا البحث اداءالمعلم في تدريس النص الادبي اداء ابداعيا، كما يبين سمات المعلم الجيد, ويقدم البحث معايير لاختيارالنص الادبي الجيد لطلاب الجامعة في اقسام كليات الاداب والتربية المتخصصـة ولـطـلاب بعض المساقات العامة والعلمية الاخرى. ويمكن الاستفادة من افكار هذا البحث في مجالات اخرى غير مجالات كليات التربية والاداب لانه يرتبط ارتباطا وثيقا ليس بأداء المعلم اداءابداعيا فحسب ولكنه يرتبط ايضا بمعايير اختيار النصوص الادبية وتقديمها للمتلقي، الطالب اوالمستمع اوالقارىء، من خلال التركيز على وظيفة النص الادبي اي الوظيفة الجمالية.
ان الاداءالابداعي للمعلم في تدريس النص الادبي، لايمكن ان يصدرالا عن معلم متمرس ومتدرب، فالمعلم الذي لم يتمرس ولم يتلق تدريبا جيدا مثاله كفاقد الشىء وفاقد الشىءلايعطيه. فمن هوالمعلم الذي يرجى منه تقديم مادته تقديما ابداعيا، وماذا نقصد اولا بقولنا اداء ابداعيا. المقصود بالابداع "الخروج عن المالوف" والابداع "عمل فذ ونادر وينتج من عمليات عقلية خاصة تتميز بالمرونة والطـــلاقة والجدة والاصالة ... ويكون نتاجا للتفكير المتمايز الخلاق، وليس نتاجا للتفكير التذكري التجميعي" (ابراهيـم 251) ولابد لتحقيق ابداع المعلم من توفر خصائص المعلم الجيد التي اشرنا اليها ادناه, ولكن كيف يتحقق الابداع في الجانب الاخراي في عمل الطلاب وتفكيرهم، "هناك استراتيجيتان: استراتيجية جعل المألوف غريبا, ...، وينطلق الطلاب فيها من انواع المجاز دون اية قيود منطقية, ويعتمد المعلم في ذلك على زيادة المسافة المفـاهيمية وانطلاق خيا ل ا لطلاب في كل اتجـاه, وهناك اسـتراتجيــة جـعل الغريب يبدومألوفـا . . . ويحاول الطلاب فيها الربط بين فكرتين معينتين وتحديد اوجه الشبه بينهما، واستكشاف جوانب محددة فيهما, او في احداهما (جروان 1999 في مرعي والحيلة 193). وعموما فان ابداع المعلم وطلابه يجب ان يتوجه الىالهدف العام الذي تسعى لتحقيقه كل المواد التي ندرسها، هذا الهدف هو" تنوير الحياة وتحسين عنصر التكيف" (ميرسل Mursell James L. في عبد العزيز 214). والمعلم الجيد هوالقادر على تحقيق ذلك، سواء من خلال ادائه الابداعي او من خلال توجيه طلابه توجيها بحيث يتيح لهم ان يبدعوا اثناء سيرالدرس.
من هو المعلم الجيد؟ المعلم الجيد هو الذي يتمتع بخصائص هامة، منها، التمكن من الاتي: "المادة والـتخصص،طبيعة المادة والتخصص، خصائص المـنهج الذي ينفذه، طبيعة الطلاب واستراتيجـيات التعليم، طبيعة العقل البشري، طبيعة التدريس، اسالييب العلم ونتائجه وتطبيقاته، اساليب ومناهج التفكير العلمي ومهاراته، فهم واستخدام وتوظيف تكنولوجيا العصر" (الناقة 328-9). وفي حالة تـدريـس النص الادبي نفهم من هذه الخصائص مايلي: بالنسبة للخاصية الاولى وهي التمكن من المادة والتخصص، فـان مادة الدرس هنا هي النص نفسه رواية او قصيدة او مسرحية او مقالة او مادة في النقد او نقد النقد، اما التخصص فمثاله فرع من فروع الادب مع التمكن من اللغة المستخدمة لتدريس هذ النص. والتمكن من طبيعة المادة، الخاصية الثانية، تستوجب الالمام بعناصرتلك المادة التي يراد تدريسها اي الالمام بالعناصر الجمالية ،الداخلية والخارجية، والسياق، اما طبيعة التخصص فمثالة وظيفة اللغة في احداث اثر ما في عقل القارىء. وعادة ماتنبع خصائص المـنهج، الخاصية الثالثة، من طبيعة مفرداته المعرفية والسلوكيه ومن اهمية المهارات والقدرات التي يهدف الى تطويرها، وامـاتمكن المعلم من فهم طبيعة الطلاب واستراتيجيات التعلم، الخاصية الرابعة، فتستلزم المام المعلم الماما جيدا بما يقرره علم النفس عن شخصية الفرد او الطالب وتوجهاته, وكذلك المامه "بتاصيل الجانب القيمي الاخلاقي المهني" (الناقة 341) والجمالي لدى الطلاب، والخاصية الخامسة لعلها اهم خاصية فيما يتعلق بتدريس النص الادبي، وهي تمكن المعلم من فهم طبيعة العقل البشري والفروق الفردية بين المتلقين في التفكير والتذوق، هذا التمكن في فهم طبيعة العقل البشري من شانه ان يساعد المعلم على النجاح في اداء عمله، ولعل المقصود بالخاصية السادسة، تمكن المعلم من فهم طبيعةالتدريس، فهم المعلم لـ "مداخل التدريس وطرقه وفنياته واستراتيجياته" (الناقه 340)، وتبين الخصائص السابعة والثامنة والتاسعة اهمية تمكن المعلم من معطيات العصر في مجال العلوم، ومناهج التفكير، واستخدام الكمبيوتر والانترنت وطرق الاتصال.
وفي هذا البحث نركز على حسن اداءالمعلم في تدريس النصوص الادبية، فماذا نقصد بالنص الادبي، وكيف يتم اختياره ثم تقديمه او بالاحرى تدريسه بعد ذلك للطلاب. النص الادبي يعني "النص الابداعي، وهو ظاهرة جمالية قائمة بذاتها,وعمل ابداعي متكامل، وتوليفة لايمكن فصل خيط من خيوط نسيــجها" (ابراهيم،عبد الحميد 722). وتاتي اهمية اختيار النص الادبي من اهمية ارتباطه باللغة، واللغة تتجه الى عقل الانسان ومشاعره اجتماعيا وثقافيا، اي انها تنمو مع نمو العقل، فهي اي اللغة –كالثقافة- ليست امرا فطريا انمـا هي امر مكتسب، بل انها "انجاز ثقافي وليست نموا طبيعيا" وعليه "فهي خاضعة لجميع التنوعات والخصائص التي تميز نتائج الخلق الانساني، تتاثر كذلك بالظروف التــاريخية التي تحيط بالثــقافة التي تنــشأ فيهـا" (نجيحي، 633). من هنا تاتي اهمية حسن اختيارما نريد تقديمه، الى الطالب او المـتلقي عامة، من خلا ل اللغة، مراعين التاثير التي تحدثه اللغة في مشاعر وعقل المتلقي. نضرب مثلا لهذا النوع من التأثير وهـوالتاثيرالقادم من مضمون النص ومن موسيقاه فموسيقى الشعر او ايقاعات النثر الادبي الشعري لهـا تأثيرهـا على "تهدئة القلوب" وعلى تهذيب "السلوك الانفعالي" (مورتسن وشمولر 299-300). ولاختيار النص الاد بي عدة معايير نقترح سبعة منها نرى اولويتها عند اختيارالنص الادبي سواء من قبل المعلم نفسه او من قبل جهة تربوية علمية مختصة:2
المعيار الاول: حسن اختيارالقيادة العلمية التربوية المؤهلة للقيام باختيارالنص الادبي المراد تدريسه، فمسألة اختيار النصوص شأنها شان كثير من المسائل الفكرية الهامة تحتاج الى ذوي الخبرة والمعرفة والتجربة، اي الى قيادة علمية صالحة تحدد الاهداف الحاضرة والمستقبلية للامة ببعد انساني، ولكن الواقع يبـين ان المسافة مازالت شاسعة للوصول الى تحقيق هذا الطموح اي القيادة العلميـة الصالحة، فالذين هم على دفة القيادة العلمية اليوم او كثير منهم مشغولون بــ"مداواة امراض وصعوبات الحياة اليومية، وتصحيح اخطائها، ومحاولة صيانة او ترميم الامكانيات المتوفرة لها . . . دون تجديدها او تحديثها او الانتقال بها لمرحلة نوعية او حضارية متقدمة اكثر" (حمدان 133). واذا ماوجدت هذه القيادة العلمية الصالحة فانها ستواجه كثيرا من الاسئلة وعليهاالاجابة على مثل هذه الاسئلة لتكون الخطوة العملية ناجحة، مثل اما "مدى
معرفتنا بما اذا كان التغير امرا مرغوبـا" و ماهي "الـعـوائق التي تقف في طريق تنفيذ التجديدات التربوية" (مرسي 37).
المعيار الثاني: اعطاء الاولية في اختيارالنص الادبي لوظيفته الجمالية، فذلك ممـا يساعد، مباشرة وغير مباشرة،على نمو الذوق الفني والحس الجمالي لدى الفرد، بل ان هذا النمو يعين الفرد على تكوين رؤية فكرية بعيدة عن الحدية والتعصـب. واقصد بالوظيفة الجمالية: الالـتحام بين المضمون والشكل في النص من خلال ابراز تفاعل السمات الجمالية (التذوق، التاثير، رد فعل القارىء) وكل ذلك بفعل تأثير اللغة، والسمات الفنية (التراكيـب اللغوية،الصور، الايقاع) هذا التفاعل، بين السمات الجمالية والسمات الفنية، هوالذي يـؤدي الى جمالية النص وتحقيق رؤية جمالية تجاه شىء ما او تجاه الكون وما وراء الكون (الحامد 181-184). يضاف الى كل ذلك جمال العلاقة بين هذه السمات بعضها ببعض، وجمال العلاقة بين التراكيب اللغوية بعضها البعض، ودور السيـاق في اضافة بعد جمالي للنص. لقد ان الاوان ان نعيد النظر في بعض "الموروث النقدي البلاغي –والذي- لم يعرف الاحتفال بفكرة التحليل اللغوي الاستاطــيقي" (سلوم 144)، وان نعطي السياق والتركيب والعلاقة بين الالفاظ بل والعلاقة بين النصوص بعضها ببعض حقها من التحليل والارتباط. بل حتىالمفردات النحوية "الظاهرة النحوية" هي الاخرى ليست مجردة من وظيفة جمالية اذا ما نظرنا اليها في سياق هذه العوامل كلها فـ"التحليل النحوي الجمالي يعني ان الظاهرة النحوية ليست اداة او صورة محسنة، ليست زينةاو طلاءاوتلوينا. وانما هي خالقة لمعناها" (سلوم 145). ان الوظيفة الجمالية هي وظيفة لـ "فاعلية اللغة" وهذه كما يرى ناصر سلوم، ونحن معه في ذلك،" لاأثر لها في كتابات المتقدمين قراء كانوا ام نحاة ام لغويين ام نقادا" (سلوم 145). ان النص الادبي الذي لايحقق، في اساسه،على حد قول رومان جاكوبسون ،3 توصيلا جماليا، لايصلح ان يختارنصا مدرسيـا مقررا. اذا وقـفت مثلا امام نصين لمحمود غنيم الاول هو قصيدته "وقفة على طلل" (79) ومطلعــهــا "مالي وللنجم يرعاني وارعاه امسـى كلانا يعاف الغمض جفناه" ومن ابياتها:
ويح العروبة كان الكون مسرحها فاصبحت تتوارى في زواياه
كم صرفتنا يد كنا نصرفهـــــــــــا وبات يملكنا شعب ملكـــــنـاه
اذا اتجهت الى الاسلام في بلد تجده كالطير مقصوصا جناحــاه
سل المعالي عـــــنا اننــا عرب شــعارنا المجد يهوانا ونهــواه
وهي قصيدة جيدة، والثانيه قصيدته "الــريف" (113) والتي تبدا بقوله "عشقوا الجمال الزائف المجلوبا وعشقت فيك جمالك الموهوبا" ومن ابياتها الاخرى:
مالت على الماء الغصون كما انحنت ام تـقـبل طـــفـلها المحبــــــــوبـا
وبدا النخيل غصونه فـــــــــــيروزج يحملن من صافي العقــــيق حبوبـا
والغيد تغمس في ا لغديــــــرجرارها فيـــــظل يضحك ملء فيــه طروبــا
وترى الجداول في الاصـــــيل كانهــا من فضــة فـــــيها النضــاراذيبــا
وهي قصيدة جميلة، وكان عليّ اختيار احداهما مقررا دراسيا فأني سأختار الثانية، القصيدة الجميلة، واترك الاولى، القصيدة الجيدة، لان سمات القصيدة الثانيةالجمالية –كما ارى- اكثر بعدا واعمق تـاثيـرا، اقصد ليست اعمق تـاثيـرا جماليا فحسب ولكنها اعمق تاثيرا ايجابيا في محتواها ومضمونهاايضــا، فالاول، اي التأثير الجمالي، يخدم ويعمق التاثيرالثاني، اي التاثير الايجابي او فلنقل الفكري. و مختارات من معلقات،عنتـرة وابن كلثوم، وروائع المتنبي، ومغاني الشابي، و غنائيات ابي ماضي، وذاتيات درويش، هي قصائد جديرة بالاخـتيار للدراسة والتحليـل والتفسيــر على ضوء هذا المعيار: البعد الجمالي للنص.
المعيارالثالث: وضع النص في سياقات مختلفة واسعة، مثلا تناصه مع نصوص سابقة، بنفس لغته او بغير لغته، اتجاهه الانساني الذي يجمع ولايفرق. فأي نص حدي يحبذ الابتعاد عنه لان مثل هذا النص من شأنه ان يضعف الحس الجمالي والبعد الانساني لدى الطلاب. والامثلة على ذلك كثيرة منتشرة في النصوص الادبية والمختارات الدينية الموجـودة في مناهجنا العربية وفي مناهج البلدان المختلفة معنا سياسيا وايديولوجيا. ان قصيدة "اخي جاوز الظالمون المدى فحق الجهاد وحق الفدى" لعلي محمود طه قصيدة ممـتازة ولكنها ليست –كما ارى- قصيدة صالحة لتكون مقررة على طلابنا فهي قصيدة تفتح المجال امام المدرس للدخول في تأويلات وربط ربما يـؤدي الى نتيجة سلبية اكثر من النتيجة التي سعى اليها الشاعر وهي تحقيق العدالة. نحن لسنا معترضين على القصيدة ولكننا معترضين على اختيارها مقررا مدرسيا فيما لو تم ذلك. نقول ذلك لاننـا نرى ان وظيفة النص الادبي ، الشعرمثـلا، الاساسية هي وظيفة جمالية.
المعيارالرابع: مراعاة خصوصيات الهوية العربية الاسلامية ووضعها في السياق الانساني الايجابي العام، والاعتزاز بها وابرازها وابراز اجمل مافيها دون نبرة تعصب ناشزة ودون اي تجريـح للاخر، وبعقليـة مفتـوحة ومتسامحـة، نحن لانريد ان نغفل عن ماضينا ولا عن حاضرنا، بل نريد تقديم صورتنا كما يرسمها التاريخ. كتب الجابري في تكوين العقل العربي: "الثقافة العربية كانت اعادة انتاج للثقافة اليونانية والثقافة الغربية كانت اعادة انتاج للثقافة العربية الاسلامية ... حضور الثقافة العربية في الثقافة الاوربية هو حضورمؤسس" (48). وهكذا فنحن بالمقـابل لا نريد ان نبخس "الناس اشياءهم"، كما فعل بعض الافراد وكما فعلت بعض الحركات الاستعمارية والتبشيرية المغالية في التعصب. 3 لذلك فاختيارنا للنصوص يحبذ ان ينسجم مع خصوصيات هويتنا بملامحها العامة والخاصة، الجغرافية والتاريخية، المحلية والانسانية.
المعيارالخامس: احترام الاخر وتقبـله كما هو، نحن لانريد ان نسهم في عمل يـشوه صورة الاخر ولانريد لصورتنا ان تشوه كما حدث ذلك في القرنيـن الماضيين ومازال يحدث في هذا القرن الجديد.4 كتب المفكرالفلسطيني-الامريكي ادوارد سعيد في تغطية الاسلام يقول"صورة الاسلام هي واحدة ثابتة لاتتغير حيثما نظرت ومهما تكن المادة التي تعرضها، يستوي في ذلك الروايات الحديثة التي اطراها النقاد، والكتب المدرسية المقرة في مادة التاريخ, والاشرطة الهزلية والمسلسلات التلفزيـونية، والافلام الفكاهية القصيرة. وتنبثق هذه الصورة الموحدة وتسـتمـد مادتها من المفهوم القديم نفسه عن الاسلام، ولذلك يكثر تصوير المسلمين كاريكاتوريا كموردي نفط وارهابييـن وغوغاء عطشى للدماء" (313، 38-39). هذه صور يرسمها عنا الاخر دون موضوعية, ونحن لانريد ان نعالج اخطاء الاخرين الذين كتبوا عنا بهذه الطريقة معالجة ايضا خاطئة وغير موضوعية، نحن لانريد شن حرب باردة على احد. اننا نريد ان ننفتح على الاخر وان نتيح له الانفتاح علينا. جاء في توصيات المؤتمر الفلسفي العربي الثاني لبيت الحكمة" . . . ضرورة الانفتاح على الحضارات الانسانية والدخول معها بصيغة الحوار الحضاري الذي يحفظ لكل حضارة وامة خصوصيتها الثقافية والحضارية والدينية" (الاعســم 892). ومن اسباب هذا الانفتاح ان نبرز الصور المشرقة عن الاخر في تاريخنا وفي نصوصنا الادبية وان نبحث عن الصورالمشرقة عنـا في تاريخهم وفي نصوصهم الادبية.5
المعيار السادس: مراعاة حرية التأويل وامكانية تشعبـه، فنحن حين نقرأ نصا ما نعيد خلق هذا النص في اذهاننا وقد نتحدث عنه او نسجل عنه شيئا ما مكتوبا، وخلال كل ذلك قد يأخذنا النص الى طرق شتـى لم تكن في الحسبان. لذلك علينا ان نضع في الاعتبار ونحن نختارالنصوص لطلابنا مسألة التأويل وتشعبها، فعلينـا ان نتفادى اي سبيل قد يـؤدي الى نتيجة سلبية تبعا لتشعب التأويل ولعل ادوارد سعيد قد بين اهمية هذه المسألة حين "قلب" عبارة رولان بارت "ان تكتب فعل متعد" فجعلها"ان تـقرأ فعل متعد"، منخرط في العالم، مقتحم له، ومعيد لصياغته على صورتنا نحن"6 لذلك فعملية التأويل، فهم النصوص والـتعليق عليها وتقديمها للمتلقي مرة اخرى، امر في غاية الاهمية، خاصة ونحن نبني مناهجنا التعليمية ونقدم ونفسر ونحلل النص الجمالي لطلابنا وطالباتنا.
المعيارالسابـع: هو مراعاة ميول واتــــجاهات الطلاب- وعلى ضوء شــــــرح L. W.Ferguson – فـا لمقصود بالميل " ما نعبر به عن شعورنا تجاه شىء ما" اما المقصود بالاتجاه فـ " تعبيرنا عن عقيدة نحسها تجاه شىء ما، مثلا عبارة (انا احب المـوز) تدل على ميل . . . ولاتتضمن فكرة او عقيدة عن الموز، واما عبارة (الموز صالح للاطفال) فانها تدل على (اتجاه) لانها تتضمن اعتقادا خاصا في الموز وهو انه صالح للاطفال" (ابراهيم، 236). عند اختيارنـا للنصوص علينـا مراعاة ميول واتجاهـات الطلاب والطالبات والعمل على تـنميتها ايجابيا، فعندما نختار نصا ادبيا لطلابنا علينا ان نضع في الاعتبار ميولهم، اي شعورهم تجاه شىءمـا، الى اي درجة يحبون القرب من هذا الشىء وكيف يمكن ان ننمي هذا القرب. مثلا شعورهم تجاه الزهور او شعورهم تجاه النوافير وكيف يمكن تنميته من خلا ل اختيارنصوص معينة. كما علينا ان نضع في الاعتبار ايضا اتجاهاتهم، اي فكرتهم وموقفهم من ذلك الشىء وتصوراتهم عنه او بتعبير Ferguson "عقيدتهم" في هذا الشىء وانه مصدر رضا اوغير ذلك.ان مراعاة الميول والاتجاهات من شأنها ان تجنـبنا التصادم مع ذوق وتوق طلابنا وطالباتنا من الشباب. فمسألة اختيار النصوص يجب ان تتم مع الاخذ بعين الاعتبار لـ "طبيعة" الطالب ومن دون اهمال دور عولمل محلية وانسانيه عامة، مثلا علينا ان لا نهمل مراعاة جانب "التراث الثقافي للجنس البشري" فهذا التراث "يمثل "مادة اساسية ينمو عليها الطفل" او الطالب (سمعان، 28). ان تقديم المادة مع مراعاة هذه الجوانب، وبالذات مراعاة توجهات كل فرد من شـأنه ان يؤدي الى النجاح في العمل النوعي الذي يراعي بناء "شخصية الفرد" ويعترف "بان له قيمة في ذاته،"ويهـىء "الفرص امامه" بما ينسجـم" واستعداداته وقدراته"Fullan فولان في كتابه ( The Meaning of Education Change معنى التحول التربوي، مرعي والحيلة 122). والمدرس الكفؤ هو من يطور الميول الطبيعية السليمة ويثبت الاتجاهات الانسانية المطلوبة. ان الدقة في حسن اختيارالنصوص على ضوءالمعايير المشاراليها اعلاه لهي خطوة اساسية نوعية في توجيه اداءالمعلم توجيها من شانه ان يؤدي الىالابداع والتميزالمطلوب.
ولعله من المفيد تقديم مثال لاختيار نص ادبي ثـم شرح كيف يقدم المعلم جمالية هذا النص لطلابه وكيف يراعـي المعاييرالسـتة المذكورة اعلاه. هذا مثال مختارة ابياته من قصيدة لابن عربي 7 في ديوانه ترجمان الاشواق، يقول ابن عربي في قصيدته "ادين بدين الحب":
لقـــد صار قــلـــبي قــابلا كــل صـورة
فـــمرعى لــغــزلان وديــر لرهــــــــبان
وبــيت لأوثـــان وكعــــبة طــائـــــــــف
وألواح تــوراة ومصـــحــــــــــف قرآن
ادين بدين الحب أنى توجــهت ركائبـــه
فالحــب ديـــنــــــي وا يــمـــــــــــــاني
ان على المعلم ان يركز على جمالية النص، اي على الـجمال الذي احدثته اللغـة في النص بما في ذلك جمال التعبير عن الفكرة الجذابة، في هذا النص الابداعي نلاحـظ ان جمالية البيت الاول تكمن في صوره الشعرية، خذ مثلا الصورة الفنية الشعرية"القلب-المرعى" فالقلب مرعى لما ولـمن يختلف عن بعضه البعض، هو مرعى "قلبل لكل صورة." وفي البيت الذي يليه تاتي جمالية النص من جمالية الصورة الشعرية ايضا "القلب –المأوى" او "القلب-البيت"، "بيـت لاوثان." وتتطورهذه السمة الجمالية، النابعة من التصـوير الجميـل، حين يصبح "القلب –المأوى"، لاصنام او اوثان، هو ايضا"القلب- الكعبة" فهو كعبة الموحد يطوف به او بها. وهكذا تلتقي في هذا القلب-المرعى –البيت-الكعبة" كل صور الحب في اشكال محسوسة: قلب، بيت، وكعبة، وفي مفاهيم مجردة: حب ودين وايمان. هذه الصورالتي تلتقي في هذا القلب هي صور دينية وغير دينية، فهو قلب يتسع لكل ذلك لانه يــ"دين بدين الحب." بهذا المضمون، مضمون القلب الذي يتسع لصور مختلفة، وبهذه الصورالشعرية وكلها صور فنية وكلها صور ذات بعد انساني عميق، تكتمل الرؤية الشعرية لهذه الابيات، فالمضمون يلتحم بالصورالشعرية الفنية ليكونا معا رؤية شـعرية ذات بعد جمالي وموضوع فني انساني عميق.
معروف ان ابن عربي لايحسب في عداد شعراءالعربية الكبار، ولكن هذا النص بتراكيبه اللغوية, وسياقه العام, وقيمته الفنية والجمالية والموضوعية يعتبر ،كما ارى، من روائع النصوص في الشعر العربي. والى جانب جمال ا للغة وجمال التعبير عن الفكرة، نجد في هذا النص مزيج من الطبيعة، والعاطفة الانسانية العميقة، والتسامح الديني المرغوب فيه. والنص يتسع عند القراءة والتأويل لتفسيرات وتداعيات من شأنها ان توحد لا ان تفرق، ان تساعد على التسامح ونــبذ الكراهية وان تقـبل الاخر كما هو وهذا هو المهم في تنشئة الاجيال الجديدة.
والخلاصة ان مركز العملية-التربوية هو الانسان، و اليه يجب ان يتجه اولا جهد مؤسسات التدريب والتاهيل, فالانسان هو "القادر على استخراج ثروات الطبيعة وخيرات المادة" (عبد الدائم، التخطيط التربوي، 8) وهو محورالتنمية الشاملة (عبد الدائم، التربية في البلاد العربية، 7)، فبدون بناءالانسان او بالاحرى اصلاحه لايمكن تحقيق تنمية شاملة ولا ضمان وجود جودة شاملة، ومن هذا المنطلق تاتي اهمية اعداد المعلم اعدادا متكاملا حتى ياتي اداءه اداءابداعيا ومؤثرا. ولكي يقدم المعلم اداء ابداعيا لابد من تحقيق عدة شروط منها تدريب المعلم، والاهتمام بتكوينه النفسي والعلمي والفكري العام،وتوفير التسهيلات, المادية والمعرفية، و المرتبطة بالمنهج كحسن اختيار النصوص الادبية، وغيرها كي يتاح للمعلم القيام بعملـه بفـعالية متميـّـزة وابداع مثمر.
الجدير بالذكر أن هذا النشر للمقالات العلمية والابحاث والملخصات العلمية يأتي في إطار عملية الإشهار الإعلامي لأبحاث ودراسات ومقالات أساتذة جامعة عدن وطلابها، التي تتولى الإدارة العامة للإعلام بجامعة عدن تنفيذها، واستلام الملخصات المطولة للأبحاث على البريد الالكتروني التالي: [email protected] - على أن يتم إرسال المقالات العلمية أو ملخص موسع يتضمن نتائج وتوصيات الدراسات والأبحاث بطريق مستند نص وورد 2003 مع صورة شخصية للباحث والصور ذات العلاقة بالبحث.

• أستـاذ الأدب (المقارن والعام) والترجمة، جامعة عدن.



الهوامــش
1-
J. L. Mursell in Principles of Education writes, All subjects studied have but one common end, the enlightenment of living and the improvement of adjustment

2- انظر ورقتنا، "الاصلاح المدرسي: اختيار النصوص الادبية"، المقدمة الى مؤتمـر جودة كليات التربية والاصلاح المدرسي، جزء 1: 89-100.

3- انظر Roman Jakobson: Language in Literature. Sixth Printing 1996, Belknap
Harvard, 69-71.

4- انظر ادوارد سعيد Orientalism. Vintage Books, New York. 1979. 73-110

5- ونستطيع ان نلتقط خيوطا ايجابية – اذا جاز التعبير- في كثير من نصوص الاخر التي كتبت عنا،فمثلا اشارة سرفانتيس الى "دورالعرب في حفظ الذاكرة الاسبانية" من خلال دعواه ولو رمزيا- الى وجود "وثيقة عربية تروي قصة دون كيخوته" ويعلق الكاتب سعد البازعي في دراسته "قابلية الثقافة للترجمة" على هذه الدعوى بانها" تمثيل للعلاقة الوثيقة التي قامت بين الثقافتين العربية-الاسلامية والاسبانية، فهما هنا ثقافتان متداخلتان على الرغم مما بينهما من تعارض في كثير من الاسس الدينية والاجتماعية وغيرها. ولكن وجود نص مشترك بينهما مثل "دون كيخوته" يشير فيما يبدو الى اشتباك الثقافتين وحاجة احداهما ، وهي الاسبانية، هنا الى الاخرى" (800). ومثال آخر من قصيدة الشاعرالانجليزي الرومانسي ووردز وورث Wordsworth والتي يصف فيها حلما رأى خلاله فارسا عربيا يحمل جوهرتين بيديه يحاول حفظهما وانقاذهما من الـطـوفان القادم الذي يجرف كل شىء، الجوهرة الاولى هي علوم الرياضيات, الثانية هي الشعر,لعل الشاعر يريد ان يؤكد بأن العرب هم من حفظ تراث العـالم وعلومه من الزوال The Prelude V: 49-165). وما كتبه ثوماس كارليل Thomas Carlyle في كتابه الابطال: عبودية البطل وهو يقارن بين اليهود والعرب وكيف ان كليهما يتمتع بذكاء حاد " ولكن العرب المنحدرين من نفس الاصل الذي ينحدر منه اليهود يوجد لديهم ذكاء متميز لانجد مثله في اليهود" (51-53).

6- ابو ديب، كمال. "ان تقرأ فعل متعد متحول: احتفاء بالتأويل وبادوارد سعيد المؤول الاكبـر" المجلة العربية للثقافة : ادوارد سعيـد 1935-2003. المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، . مارس( 2004):43، 11-54

7- ابن عربي هوالاسم الذي عرف به محمد محيي الدين ابن عربي (560-638 هـ، 1165-1240 مـ ) المولود بقرية في جنوب اسبانيا. تشبع ابن عربي بدراسة القران وعلوم الشريعة وتنقل بين العواصم الاسلامية العربية حتى استقر في دمشق عام 1223 مـ . له الفتوحات المكية, وترجمان الاشواق، وفصوص الحكم (الحامـد 69).

المراجــع

البازعي، سعد. " قابلية الثقافات للترجمة." علامات في النقد ملتقى قراءة النص . ربيع الآخـر 1424 هـ . يونيو 2003. المجلد الثاني عشر، الجزء 48، 785-802. النادي الادبي الثقافي بجدة، السعودية.

ابراهيم، سميــرعبد الحميد."من قضايا ترجمة النص الابداعي" عـلامات، مجلـد 12 جـزء 48، ربيـع الاخر 1424 هـ، يونيو 2003 مـ. 721-784.

ابراهيم, عبد اللطيـف. المنــاهج: اسسها وتنظيماتها وتقويم اثرهـا. الطبعة السادسة، مكتبة مصــر، القاهرة، 1984.

ابراهيم، مجدي عـزيـز. التفكير من منظور تربوي. عالم الكتب: القاهرة. طبعة اولى، رجب 1426 هـ ، سبيتمبر 2005 مـ.

الجابري، محمد عابد. تكوين العقل العربي. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية, 1988.

حافظ، ابراهيم وخليل، ابراهيم (ترجمة). التوجيه في المدرسة. القاهرة: دار النهضة العربية،
(Mortensen, Donald G, and Allen M. Schmuller. Guidance in Today 's Schools, 1959. New York: John Wiley and Sons Inc.)

الحامد، ابوبكرمحسن. العلوي وفروست: الرؤية الشعرية. اطروحة دكتوراة مترجمة عن النص الانجليزي، جامعة ساوث كارولاينا، كولومبيا، الولايات المتحدة، 2005 مـ. (Salih al-Alawi and Robert Frost: Poetic Visions. By: A. M. al-Hamid, A Ph.D unpublished dissertation, USC, Columbia, SC, USA. 2005.)
حمدان، محمد زيـاد. ازمة التربية في البلدان النـا مية: واقع، مشكلات، حلول. عمان: الاردن، 1412هـ، 1992 مـ.

----------------. التلاميـذ يديرون انفسهـم، عمان، دار التربية الحديثة، 1410 هـ - 1990 مـ .

عبد الدايم، عبد الله. التربية في البلاد العربية. بيروت: دارالعلم للملايين، 1974.

عبد الدايم، عبد الله. التخطيــط الـتربـوي. بيروت: دارالعلم للملايين، 1974.

عربي، ابن. محيي الدين. ترجمان الاشواق. القاهرة: المطبعة الاميرية، 1271هـ، 1855مـ.

الاعسم، عبد الاميـر. الفسفة والانسان العربي في القرن الحادي والعشرين: اعمال المؤتمر الفلسفي العربي الثاني لبيت الحكمة، 16-20 آذر 2001 بغداد, 2002.

غنيم، محمود. الاعمال الكاملـة. دارالغد العربي: القاهرة، 1414 هـ، 1993 مـ.

سعيد، ادوارد. تغطية الاسلام. ترجمة سميرة خوري، بيروت: مؤسسة الابحاث العربية، 1983. 313، 38-39.

سـلوم، تامر. نظرية اللغة والجمال في النقد العربي. اللاذقية: دارالحوار، 1983.

سمعان، وهيب و لبيب، رشدي. دراسات في المناهـج. مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة، 1982

مرسـي، محمد منيـر. "التجديد التربوي ومعوقاته وبعض نماذجه." حولية كلية التربية، السنة الرابعة، العدد الرابع، 1405هـ، مـ1985، قطر: جامعة قطـر. 34-52

مرعي، توفيق احمد، والحيلـه، محمد محمود. المناهج التربوية الحديثة: مفاهيمها وعناصرها واسسها وعملياتها. عمان: دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، 1420 هـ - 2000 مـ .

_________________، طرائق التدريس العامة، دارالمسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، طبعة اولى 1423 هـ _ 222 مـ . عمان: الاردن.

الناقة، محمود كامل. "حديث عن جودةالمعلم (اطار فكري)". جودة كليات التربية والاصلاح المدرسي: المؤتمرالعلمي الرابع (الدولي الاول) كلية التربية قنا، 4-5 ابريل 2007، جزء 2. 321-341.

النجيحي، محمد لبيـب، (ترجمة)، فلسفة التربية. القاهرة: دار النهضة العربية، 1969.
(Phenix, Philip. H. Philosophy of Education. New York, 1958.)

Carlyle, Thomas. On Heroes, Hero-Worship and the Heroic in History. D.C. Heath and Co. Boston. New York. Chicago. 1913. 51-3










تمت طباعة الخبر في: الأحد, 22-ديسمبر-2024 الساعة: 03:56 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-9518.htm