صنعاء نيوز - 
الصورة لجزء من قرية حدنان ، مركز مديرية مشرعة وحدنان - واحدة من ثلاث  مديريات في جبل صبر  المطل على مدينة تعز -.

الخميس, 20-يونيو-2024
صنعاءنيوز / عباس السيد- من صفحته على الفيس بوك -



الصورة لجزء من قرية حدنان ، مركز مديرية مشرعة وحدنان - واحدة من ثلاث مديريات في جبل صبر المطل على مدينة تعز -.

للأسف لم يظهر من قريتي سوى " الضاحة " التي تحمل اسمها " ضاحة الحَجِف " .
ولي مع الضاحة ذكرى :

ذات ليلة كان لا بد أن أناوب في حراسة قات لنا بجوار الضاحة ليلا . كان عمري حوالي 15سنة . وهذه فرصة اثبت فيها انني قادر على القيام بمهام الكبار .

المحراس مساحته اقل من مترين ، وارتفاع متر ، تدخله من باب صغير زاحفا على ركبتيك و كفيك مثل خروف ، ويقع على بعد أمتار من حولنا ولا يطل عليه .
يعني لازم الواحد يشغّل آذانه ، ويخرج كل ساعة او نصف ساعه يطوف بالحول و يضوي بالكشاف ويعود .

عند منتصف الليل قلت بخرج اطوف واقطف لي شوية قات لحقة من " الصافية " شجرة قات هي الأكبر والأجود .
تحولت الى وضعية الكبش ، وقبل ما يخرج رأسي من باب المحراس وقع ضوء الكشاف الذي في يدي على كائن غريب يبعد مترين عن الباب .

شكله مرعب لم يسبق أن رأيته في حياتي .
لا هو حيوان ولا هو طير .. مثل قط اكس لارج ، معه منقار معكوف مثل الصقر ..رأسه كبيره ، يغطي جسمه ريش بني داكن وفاتح ، عيناه في مقدمة رأسه ، له آذان كالقط ، يقف منتصبا على قدمين بمخالب صقر .

اطفأت الكشاف ، تعوذت من الشيطان ، ورجعت مكاني مرعوب ، وبقيت ارقبه على ضوء الفانوس المولع بالمحراس ، وتحاشيت اضوّي عليه بالكشاف ثانية أو أقوم بأي حركة خوفا من استفزازه .

الكائن الغريب ثابت لا يتحرك ، وانا مثله ، ساكن ولا حركة .
يا الله ، ما هذا الكائن .. وكيف ضاق عليه الوادي ليختار المرابطة أمام باب المحراس . ما يشتي مني ؟.

وفي ذروة الحيرة والخوف ، كان علي البحث عن اجابات وحلول . وسرعان ماوجدتها :
هذا جني ، لا شك أنه جني من سُكٌان الضاحة تنكر بهذه الهيئة الغريبة .

هكذا كنا نسمع في قريتنا من زماان ، الجن يسكنون الضٍياح ويظهرون للناس بهيئات مختلفة .
كانوا يحذروننا من قتل " العَرادِن " جمع عردان ، حتى لا نتعرض لانتقام الجن ، فالعِردان قد يكون جنّيا في مهمة معينة أضطر للتنكر بهيئة عِردان ..

كم كنا نسخر من الآباء ، والأمهات والأجداد والجدات ، عندما نسمع منهم مثل هذه الحكايات .

احاور نفسي : إذا ، ما كنا نكذبه عن حياة وسلوك الجن ، ونعتبره خزعبلات يعتقد بها أجيال ممن حرموا من التعليم ولم يدخلوا مدارس كما نحن ، هو في الواقع حقيقة ، فها أنا مع الجني وجها لوجه .

كنا نرى انفسنا ونحن طلاب في سن المراهقة ، أكثر وعيا وفهما من آبائنا وأجدادنا .

ويستمر العصف بحثا عن حل للنجاة من هذا الجني .
عيناه تقدح شررا رغبة للإنتقام ، وأشعر بالذنب والندم لأني قتلت كثير من العرادن .

سارق القات أرحم ألف مرة من هذا الجني ..
راحت الخِدًارة ، قات الصافية تحول في فمي إلى عبء ، مثل عجينة طين .

نجعت او ذبلت بهدوء ، ثم اغلقت باب المحراس بقطع من الكرتون والفرش ، رزًحت لها بالمدكأ، وأطفأت الفانوس .

فعلت ذلك كي لا يراني ولا أراه فقط ، أما الخطر فقد كنت على ثقة أنه قائم حتى لو اغلقت الباب على نفسي بحجر واسمنت ، هذا جني مش وادانه .

كان من الصعب علي أن أنام .. طالت ساعات الليل داخل المحراس .. ولا ساعة لي لأعرف الوقت .

وحين سمعت أصوات نساء في الوادي ، عرفت ان الوقت صباحا ، لكني ترددت في فتح الباب ، فقد تكون اصوات النساء صادرة عن الجني ، هذا سهل جدا بالنسبة له ..
أزحت قليلا من قطعة الكرتون ، فاندفع شعاع الشمش إلى وجهي ، ولا وجود للجني في مكانه .

تنفست الصعداء ، حمدت الله ، واتبرت ما حدث تحذير يجب ان يؤخذ على محمل الجد .
عدت الى البيت ، وكتمت ما حدث لي تلك الليلة عن الأهل والأصدقاء .
فماذا عساي أن أقول ، هل اقص حكايتي مع الجني ، كما يفعل الأجداد والجدات الذين نسخر منهم .. بدري عليً .

يكفي أن أصمت عندما اسمع الكبار ، ولن اجادلهم حتى عندما يظهرون حنينا إلى نظام ما قبل الجمهورية، وعندما يتغنون بشخصية الإمام ومملكته ، وعندما يصفون الجمهورية بأنها " دولة صعاليك ".

بعد سنواات ، شفت نفس الجني الذي رأيته تلك الليلة ، رأيته في صفحة ملونة من كتاب العلوم المصورة ، وكان مجرد بومة ، وأطول مقلب شربته في حياتي .

وبعد سنوات أخرى ، عرفت أن الجمهورية التي كان يصفها الكبار من اهل قريتنا بأنها " دولة الصعاليك " ، هي فعلا كذلك ، وقد تدحرجت الى مادون ذلك .
عباس السيد
تمت طباعة الخبر في: السبت, 28-سبتمبر-2024 الساعة: 07:29 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-97848.htm