صنعاء نيوز - 
إن محاولة الوصول إلى إجابات منطقية لأسئلة منطقية في ظل ظروف غير منطقية يعتبر أمرًا غير منطقي، فإذا ما حاولنا تفسير ما يحدث في قطاع غزة

الأربعاء, 30-أكتوبر-2024
صنعاءنيوز / -





دافعان لكسر كل الدراسات والأبحاث وتدمير جهود العلماء









إن محاولة الوصول إلى إجابات منطقية لأسئلة منطقية في ظل ظروف غير منطقية يعتبر أمرًا غير منطقي، فإذا ما حاولنا تفسير ما يحدث في قطاع غزة في إطار المنطق والدراسات المبنية على أسس علمية فإن كل تلك النظريات والدراسات سوف تسقط في مستنقع سحيق، خاصة إذا كان حديثنا عن أحد التابوهات التي يحرم المجتمع الاقتراب منها بل ويهاجم كل من يقترب أو يحاول الحديث عنها.



وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة أعلنت في وقت سابق أن عدد النساء الحوامل في قطاع غزة تخطى حاجز الـ50 ألف امرأة، وإذا تحدثنا دون مبالغة فإن هذا أمر مفزع للغاية، فعلى مدار أيام أحاول الاطلاع على التقارير والدراسات المتعلقة بمدى إمكانية قيام الرجل والمرأة بعلاقة جنسية تحت تأثير الضغط النفسي والعصبي والتوتر وللأسف لم أجد تقريراً يربط بين الخوف والتشرد والجوع ورائحة الموت والحياة داخل الخيام والاصطفاف في طوابير الطعام والمياه وقضاء الحاجة وبين ارتفاع مستوى الرغبة الجنسية لدى الإنسان، خاصة أن الجنس بمفهومه يعتبر عملية مرتبطة بمتعة الإنسان أكثر من ارتباطها بالنسل أو الخصوبة.



إن القيام بعملية جنسية صحية وسليمة مرتبط بتوفر الكثير من الشروط والقواعد والضوابط خاصة في الأماكن التي تخضع للمعايير الدينية، وأقل تلك الضوابط ما يتعلق بالمكان الملائم والأدوات الخاصة بالنظافة، ومن خلال ما يحدث بسبب الحرب المستمرة على قطاع غزة منذ أكثر من عام فإن هذه الأمور غير متوفرة على الإطلاق.





هناك مثل قديم حديث كنت وما زلت أسمعه من وقت لآخر "بدو يكون فقر وقلة كيف..!". ولم أدرك معنى هذا المثل إلا حين شاهدت وسائل الإعلام تتهافت على نقل خبر وجود أكثر من 50 ألف امرأة حامل في قطاع غزة، ولا أعلم إن كنت وحيداً في إدراك حجم المصيبة التي يتم تسويقها إعلامياً على أنها انتصار، وحقيقة الأمر أن هذه خسارة كبيرة تتعلق بالصحة النفسية لأكثر من 50 ألف عائلة، وإذا قمنا باحتساب هذا الرقم فإننا نتحدث هنا عن أكثر من ثلث المجتمع في قطاع غزة فالعائلة تضم أباً وأماً وأطفالاً آخرين أيضاً، أي أن التقرير الذي يتحدث عن أكثر من 50 ألف حالة حمل هو في الواقع يتحدث عن أكثر من نصف مليون شخص سيتأثرون بهذه النائبة.



إن ما أتحدث به الآن هو وجهة نظر خالصة ليس لها علاقة بشيء إلا بعض الإرهاصات الليلية والكوابيس التي تأتيني تباعاً وأنا أفكر بأشياء ربما يعتقد الكثيرون أنها تافهة وليست ذات تأثير، لكن هذا التقرير وما يترتب عليه يعتبر جريمة بحق النفس والغير، فالبداية هي أن هذا العدد الكبير من الفلسطينيين خرج عن المنطق المتعارف عليه وتمرد على كل الدراسات والعلوم والأبحاث المتعلقة بالسلوك البشري والتي بنيت بغالبيتها على أساس يوضح أن الإنسان الطبيعي لا يمكنه فعلياً القيام بعلاقة جنسية طبيعية إذا ما كان تحت الضغط أو التوتر، ولكن اللافت للأمر أن السكان في غزة لا يعانون من الضغط والتوتر فحسب بل لنتحدث بشكل أوضح أنه لا ضمان لأحد بأن يكون على قيد الحياة حتى الدقيقة القادمة ولكن في الوقت نفسه يقرر هذا الشخص الذي ارتفعت نسبة اقترابه من الموت إلى أكثر من النصف أن يمارس العلاقة الجنسية بهدف إنتاج طفل فلسطيني إلى سجل المواليد دون التفكير عملياً بأن هذا الطفل سيكون له متطلبات آنية واحتياجات مستقبلية وكل هذه المتطلبات ليست موجودة من الأساس.

وللعلم فإنني هنا لا أصادر حق أي إنسان بالمتعة حتى وإن كانت في ظروف استثنائية وغير تقليدية بل وإنني أعلم علم اليقين وبحكم انتمائي لتلك المدينة أن وسائل المتعة لا تفنى ولكن تستحدث من العدم حتى وإن تم الأمر داخل خيمة أو قصر، في ظل الإطار الشرعي أو خارجه، فعجلة الحياة لا تقف حتى وإن كان الموت واقفاً على الباب فالحياة أبقى طالما أن الجهاز التنفسي ما زال يعمل بشكل فعال ..

ومن باب المعرفة فتحت قناة اتصال مع طبيب نفسي لمناقشة مثل هذه الظاهرة وفوجئت من ردة فعله على أسئلتي بعد أن شرحت له بالضبط ما أريد الوصول إليه وأخبرني أنه سيضع العلم جانباً لأنه لا توجد دراسة علمية يمكنها تصنيف تلك الحالة بشكلها الحالي، فالأمر يحتاج إلى دراسات وخبراء وهذا غير متاح حالياً لكن في نفس الوقت أخبرني أنه يمكنه أن يعطيني رأياً شخصياً حول هذا النقاش.

ومن وجهة نظر الطبيب فإن السكان في قطاع غزة لا يخضعون للمعايير التي أجريت عليها الدراسات والاختبارات حول الصحة الجنسية والإنجابية للإنسان والتفكير المنطقي حول الأطفال واحتياجاتهم والخوف من المستقبل، فجميع هذه الأشياء يبدو أنها غير متاحة داخل القاموس للكثير من السكان في قطاع غزة، والعملية الجنسية بالنسبة للسكان في تلك المنطقة مرتبطة بالتقاليد الاجتماعية والدين أكثر من ارتباطها بمتعة الرجل والمرأة، فالتقاليد الاجتماعية والدين يدفعان الشريكين للتفكير في الإنجاب سريعاً لتثبيت أركان زواجهما أولاً وللحصول على منصب اجتماعي مرموق بنظر الناس من حولهم كونهم أصبحوا عائلة ممتدة لديها أفرع وأغصان، ومن الناحية الدينية فهناك الكثير من الأحاديث والآيات التي ربما تم تفسيرها بشكل خاطئ وإسقاطها على واقع غير واقعها الأصلي مما أدى إلى إساءة الفهم الحاصلة لدى الكثير من السكان في تلك المنطقة حيث أصبح التفكير المنطقي لدى المواطنين في تلك المنطقة أن أعداد المواليد في قطاع غزة خلال فترة الحرب أصبح موازياً بل ويفوق أعداد الوفيات وهذا يعطي انتصاراً بأن القطاع لم يخسر شيئاً، وهذا إن دل فإنه يدل على قصور فكري، فالإنسان ليس مجرد رقم داخل مركز الإحصاء، بل هو مجموعة من الذكريات والإنجازات والمشاعر الفردية والجمعية، وكل إنسان له كيان مستقل لا يمكن لأحد استبدالة أو الحلول بديلاً له.

ومن جانب آخر فإن التفكير الإنساني يختلف بشكل كامل حين يقترب الإنسان من فقدان كل منجزاته في الحياة ما يجعل تفكيره منصباً على الشهوة والرغبة أكثر من أي وقت مضى، فالفراغ والخسارة شعوران يدفعان الإنسان إلى درجة من اللاوعي الذي قد يقود إلى ارتكاب الجرائم في أحيان كثيرة خاصة أننا هنا نتحدث عن ظروف غير منطقية وخسارات غير منتهية وأوجاع تحتاج إلى زمنين فوق الزمن الذي نعيشه لمداواتها.


تمت طباعة الخبر في: الخميس, 31-أكتوبر-2024 الساعة: 02:22 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.sanaanews.net/news-99823.htm