حسن عبد الوارث : - في أتون التطرف السياسي والآيديولوجي الذي ساد فترة السبعينيات في الشطر الجنوبي من الوطن اليمني – حينها – تجلَّت جملة من السياسات والإجراءات والممارسات التي عكست طبيعة وأبعاد هذا التطرف الذي كان يتصف يوماً باليسارية وأحياناً باليمينية !!
وكانت الحرب التي نشبت بين الشطرين في العام 1972 أسفرت عن إعتقاد في الوعي والوجدان الجمعي بضرورة الإرتهان إلى مبدأ الحوار، كمقدمة منطقية للشروع في إبرام إتفاقات وحدوية ، وفي الأساس : إعداد مسودة دستور دولة الوحدة ..
حينها، أنبرى عدد من الإنفصاليين للحيلولة دون نجاح أية خطوة في هذا المضمار ، وعمدت إلى خلق كل أداة ووسيلة وقناة وحيلة لإجهاض المشروع الوحدوي العظيم .. وكانت قصائد الشعر الشعبي واحدة من هذه الوسائل ، حيث ظهرت – يومها – دفقات متلاحقة من الأشعار الحمينية التي تُسفّه ، بل وتُجرَّم ، أي تقارب بين قيادتي الشطرين على صراط الحوار وفي مضمارالمفاوضات الوحدوية .. وكانت هذه الأشعار – كحال الشعارات – تجد لها مجموعات كورالية ترددها بدون وعي ، فقد كان الكثيرون يرددون أشعاراً وشعارات لا يفقهون معظم معانيها، وبالذات تلك التي كانت تتجمّل بالمصطلحات الثورية والُمقوّسات الآيديولوجية والعبارات التقدمية التي كانت "موضة "رائجة في تلك الأيام !!
ومن تلك الأشعار أبيات يرفض قائلها إعادة توحيد الوطن ، باعتبار نظام الحكم في الشطر الشمالي من الوطن – حينها – "رجعياً " في رأي صاحب تلك الأبيات التي تقول :
" ياعلي ناصر ويابن رُبيّع
ويا أمين اللجنة المركزية
ما نبا وحدة مع حكم رجعي
والجماهير تحمل البندقية ".
وبمرور الأيام ، وتواتر الحقائق ، بهتت دعوات الأنفصال وبحَّت أصوات الإنفصاليين .. فتناسى الناس مثل هذه الأشعار والشعارات التي فقه الأغلب من جماهير الشعب أنها تتعارض مع أحلامه الكبرى وفي المقدمة منها الوحدة ، بعد أن تحقق حلم التحرر من ربقة الإحتلال والسلاطين في الجنوب وكهنوت الإمامة في الشمال ..
وفي منتصف العقد نفسه – أي السبعينيات – ظهرت في الشارع اليمني ، والعدني بالذات ، ظاهر ة غريبة ، صارت بمثابة "موضة " .. غير أنها – هذه المرة – لم تكن موضة سياسية أو آيديولوجية ، أنما موضة أزياء ، على غرار كل موضات الأزياء التي سرعان ما تنتشر بين الشبان والمراهقين كانتشار النار في الهشيم ..
ظهر نوع من البنطلونات ارتداه الشبان من الجنسين على السواء .. ويعترف كاتب هذه السطور بأنه كان أحد المرتدِين "وليس المرتدّين ".. وقد تميَّز هذا البنطلون بأنه يضيق عند الخصر والفخذين ، ويتسع كثيراً تحت الركبتين .. وقد أطلق عليه الناس يومها تسمية "الشارلستون"!
وأقترن إرتداء "الشارلستون "بإطالة شعر الرأس من قبل الفتيان .. وقد أطلق الناس على الفتى الذي أطال شعر رأسه صفة "خنفوس" إقتراناً بظاهرة "الخنافس " التي أطلقها مطربو فرقة "البيتلز" البريطانية التي ذاع صيتها عالمياً في مطلع السبعينيات ..
وقد قامت –حينها – حملة ساخطة على الشارلستون والخنافس ، بلغت حدّ مطاردتهم في الشوارع ، والقيام بحلق رؤوسهم وقص ذيول بنطلوناتهم ..وكانت ثمة مباركة من الحكومة لهذه الحملة ، باعتبار أن هذا البنطلون الواسع وذلك الشعر الطويل هو ضرب من حالات التأثُّر بالمظاهر الغربية التي تعكس جوهر المجتمع الرأسمالي !!
غير أن أظرف ما في الأمر أن الأبيات الإنفصالية التي تبدأ بعبارة " ياعلي ناصر ويابن رُبيّع " عادت مرة أخرى إلى الشارع الشعبي ، يرددها الآلاف بحماسة منقطعة النظر ..ولكنها هذه المرة كانت تقول :
" ياعلي ناصر ويا بن رُبيّع
ويا أمين اللجنة المركزية
ما بنا خنفوس ولا شارلستون
والجماهير تحمل البندقية "!!
لقد سقطت فرية الحكم الرجعي في صنعاء والحكم التقدمي في عدن ، بعد أن صار الخنفوس عدو الشعب والشارلستون طريد الشارع !! |